كتب: سيد توكل
إن نظام انقلاب 30 يونيو مؤمن بنظرية "شوّق ولا تدوّق"، على رأي الفنانة "لبلبة" في فيلم "نظرية عمتي"، ومنذ انقلاب عام 1954 الذي قاده البكباشي جمال عبد الناصر، اتفق العسكر على أن الطريقة الأسهل لجلب "الرز" من شتى بلاد المعمورة تكمن بلا استثناء في "الإغراء" السياسي ومغازلة الجميع دفعة واحدة.
وحسب مراقبين، يظن وزراء الخارجية في حكومات العسكر أن "التستستيرون" هو الهرمون الذكوري الوحيد المسيطر على العلاقات الدولية، وبعد الثالث من يوليو 2013، دخلت خارجية الانقلاب مرحلة جديدة في تاريخها العسكري، اتسمت هذه المرحلة بالغموض الشديد، فتارة يلقي نظام الانقلاب بثقله خلف الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها الحليف الاستراتيجي، وتارة أخرى يُظهر ودا وتحالفا مع روسيا.
لا يوجد شيء دون مقابل
من جانبه، يقول الكاتب والباحث "أحمد النشار": "حرص نظام السيسي على إقامة علاقات استراتيجية مع الدول الخليجية، وخاصة بعد الدعم الخليجي الهائل على المستوى المالي والسياسي للجيش في الثالث من يوليو، لكن سريعا ما تحولت تلك العلاقة إلى نوع من التوتر والصراع، وخاصة مع اختلاف الرؤى المصرية السعودية، حول القضية السورية والدعم المحدود الذي قدمته مصر في حرب اليمن ضد الحوثيين".
ويضيف "في ظل هذا الصعود والهبوط، ظلت علاقة النظام المصري بإسرائيل راسخة؛ بل وتعززت بعد الثالث من يوليو".
وتابع "خلال كل هذه العلاقات المتشابكة المتلاحقة، لم يكن واضحا ماذا تريد الدولة المصرية من سياساتها الخارجية، هل تريد الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية بالولايات المتحدة أم ترغب في إقامة تحالف مع روسيا؟ ولماذا تعمد النظام المصري تبنّي وجهة نظر مختلفة عن رأي الدول الخليجية في القضية السورية رغم أنه في أمَسّ الحاجة إلى الأرز الخليجي في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد؟".
وأردف "الجواب في غاية السهولة، فقد أعلن النظام المصري عن المبدأ الأساسي لسياسته الداخلية والخارجية منذ اليوم الأول، وهو "لا يوجد شيء دون مقابل".
لا أخلاق سياسية للعسكر
من جانبه، يقول الكاتب محمد مختار الشنقيطي: "بقليل من الإغراء والإغواء، والتخويف والتهويل، والدعاية والتضليل، يمسك المستبد بزمام السفينة، ويقود ركابها الأنانيين الحمقى إلى حتفهم".
مضيفا "فإن سعَى لتقريب بعضهم وتبعيد البعض، فإنما غايته هي ضرب بعضهم ببعض، وحرمانهم من بناء أي إرادة جمعية، لتسهيل استعبادهم وإخضاعهم، والاستعلاء عليهم جميعا، طبقا للمنطق الفرعوني: "إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا." (سورة القصص، الآية 4).
وتابع "لعل أبلغ مثال على هذا التفاوت في الثقافة السياسية والأخلاق السياسية هي المقارنة بين الانقلاب الناجز على الرئيس محمد مرسي، والانقلاب الفاشل على الرئيس رجب طيب أردوغان، إذ يوجد شبه كبير بين الانقلابين من حيث السياق الجغرافي والاستراتيجي وحتى الفكري".
وأردف "كلا البلدين دولة مسلمة كبرى من دول حوض المتوسط، وكلاهما بلد محوري في استراتيجية النفوذ الأمريكي، وكلا الرئيسين (أردوغان ومرسي) منتخب انتخابا نزيها، وقد حصلا على نسبة متقاربة من أصوات الناخبين، كما تدل قرائن متواترة إلى تواطؤ أمريكا وإسرائيل- مع نخب عسكرية في البلدين- في الانقلاب على السلطة الشرعية فيهما".
وتابع "لكن الثقافة السياسية تختلف اختلاف جذريا اليوم في تركيا ومصر"، موضحا "فقد وصل أردوغان إلى السلطة ضمن مسار سياسي طويل، وهو اليوم يترأس بلدا نضجت ثقافته السياسية، وصلُبت مؤسساته الدستورية، وتراجعت فيه الأنانية السياسية المُهلكة لصالح الإرادة الجمعية، رغم كل الخلافات الأيديولوجية والطائفية والعرقية الموجودة فيه. ووصل مرسي إلى السلطة فجأة بعد ثورة شعبية، وفي بلد استعبدت قيادة الجيش نخبَهُ العلمانية لعقود، واتخذتها مطية للفساد والاستبداد".
وتابع "اعتادت هذه النخب العبودية السياسية والوثنية السياسية، وسادت في صفوفها الأنانية المقيتة، حتى أصبح بعضها مستعدا لذبح منافسيه السياسيين من الإسلاميين، سعيا لكسب حزبي تافه، أو منصب سياسي فارغ، من فتات مائدة العسكر".
سمعة مصر في الحضيض
ويؤكد مراقبون أن نظام الانقلاب تسبب في الإساءة الشديدة لسمعة مصر على المستوى الدولي، وذلك من خلال قضايا مثل قضية ريجيني وغيرها من القضايا.
هذا كله يضاف إلى ضعف وذلة صاحب الهوية المصرية خارج حدود الدولة؛ جراء استهانة دبلوماسية العسكر في التصدي للقضايا الفردية والدفاع عن مصالح الجاليات المصرية في الخارج.
وعلى مدار عقود– بحسب مراقبين- عاب الناس على الدبلوماسية المصرية سياسة التنديد والشجب والإدانة، لكنهم لم يتوقعوا يوما ما أن تنتهي سياسة التنديد إلى سياسة التطبيل والبحث عن الأزر.