حالة من الجدل والغموض تشهدها مصر عقب قرار مفاجئ لحكومة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، الخميس 29 ديسمبر 2016، بالموافقة على اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، وإرسالها إلى مجلس النواب لبحثها والتصديق عليها، ما يعني الاعتراف بـ"سعودية" جزيرتي تيران وصنافير، رغم صدور حكم قضائي بـ"مصريتها"، وترقب صدور الحكم النهائي– بعد طعن الحكومة الانقلابية– 16 يناير المقبل.
سياسيون وحقوقيون انتقدوا توقيع نظام السيسي على الاتفاقية، وبيعه الجزر للسعودية، وإحالتها لبرلمان العسكر لتمريرها، معتبرين أنه يضرب أحكام القضاء عرض الحائط، وتساءلوا عن الثمن الذي تقاضاه هذه المرة، وهل التعجيل بالتوقيع على الاتفاقية جاء مقابل تجميد السعودية للاتفاقيات المالية والاقتصادية التي أبرمتها مع "الحكومة" في أبريل؟ أم أن هناك ثمنا آخر؟.
وما بين القرار المفاجئ بالموافقة على الاتفاقية، ومن ثم توثيق بيع تيران وصنافير للسعودية، وبدء برلمان العسكر مناقشة الاتفاق، واستعداد حقوقيين لرفع دعوى جديدة أمام مجلس الدولة المختص بنقض قرارات الحكومة، تثار نقطتان:
(الأولى): حول الأسباب "العاجلة" التي دفعت نظام قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي لاستعجال الموافقة على الاتفاقية، قبل أسبوعين فقط من صدور الحكم القضائي النهائي.
و(الثانية): حول الوضع إذا ما قضت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، في 16 يناير المقبل، بحكم نهائي بـ"مصرية" تيران وصنافير، بينما وافق مجلس النواب على اتفاقية ترسيم الحدود التي تعني "سعودية" تيران وصنافير.
مصدر دبلوماسي مصري كشف عن أنه برغم الخلافات المصرية السعودية وفشل وساطة الإمارات في عقد لقاء بين السيسي والملك سلمان في أبو ظبي، الشهر الماضي، إلا أنه تم التوصل إلى اتفاق بتبادل وفود لبحث نقاط الخلافات لحسمها قبل أي قمة مقبلة بين قادة البلدين، مؤكدا تبادل وفدين مصريين زيارة البلدين لحسم الخلافات.
ونوه المصدر إلى أن موافقة الحكومة السريعة على الاتفاقية جاءت تتويجا لحصاد ما نوقش خلال زيارة وفد سعودي لمصر، ووفد مصري للرياض، لإبداء حسن النوايا من جانب نظام السيسي، الذي يحتاج إلى الدعم الاقتصادي السعودي في المرحلة المقبلة، بعدما جمدت الرياض كل الاتفاقيات التي وقعها العاهل السعودي مع السيسي، وحرمته من "الرز" الذي وعده به الملك سلمان.
وقال إن الخطوة التي اتخذتها الحكومة بتوقيع الاتفاقية "تبدو مفاجئة"، ولكنها ليست كذلك، حيث زار مصر وفد سعودي زيارة سرية برئاسة المستشار في الديوان الملكي السعودي تركي بن عبد المحسن آل الشيخ، الذي رافق الملك سلمان بن عبد العزيز في زيارته إلى القاهرة، في أبريل الماضي، والتي شهدت التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، ضمن عدة اتفاقيات أخرى.
وأشار إلى أن هناك رغبة لولي ولي العهد السعودي، ووزير الدفاع محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، لغلق ملف إعادة تيران وصنافير للسعودية، ولهذا جاء الوفد السعودي برئاسة عبد المحسن آل الشيخ، أحد المقربين من سلمان الابن.
وكان عطل فني بطائرة سعودية خاصة بمطار القاهرة الدولي، يوم الإثنين الماضي، قد كشف عن الزيارة السرية للوفد السعودي رفيع المستوى لمصر، بينما رفض المصدر تحديد زيارة الوفد المصري للرياض أو من قاده.
ويبدو أن السيسي تحرك مدفوعا بالضغوط السعودية للحصول على الرز، والاعتذار ضمنا عن هجوم وسائل إعلامه على السعودية والملك سلمان.
وقال المصدر الدبلوماسي المصري، إن هذه الزيارات السرية المتبادلة جرى الاتفاق عليها خلال "لقاء سري تم في أبو ظبي، بين السيسي وخالد الفيصل، مستشار الملك سلمان، ومحمد بن زايد، لتقريب وجهات النظر عقب فشل لقاء السيسي وسلمان".
ضغوط سعودية
وقد ألمح الصحفي اليساري المقرب من نظام السيسي عبد الله السناوي إلى أن "ضغوطا سعودية" كانت وراء تعجيل الحكومة المصرية بالموافقة على الاتفاقية ودفعها للبرلمان لإقرارها،
حيث أكد "السناوي"، خلال لقائه برنامج "كلام تاني"، على فضائية "دريم 2"، مساء الجمعة، أن "إصرار الدولة المصرية على تمرير اتفاقية تيران وصنافير سيجعل الناس تقول إن هناك صفقة ما تمت بين البلدين، وسيقلل من شعبية القيادة".
وزعم أن "هناك صراعًا في الأسرة الحاكمة السعودية بين ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وولي العهد محمد بن نايف على حساب الأرض المصرية، وهي تيران وصنافير".
وقال: "محمد بن سلمان يريد أن يحصل على تيران وصنافير كي يحصد شعبية في السعودية ويكون مكان ولي العهد السعودي"، مؤكدا الضغط السعودي على مصر بالورقة الاقتصادية، وتحدث عن "استكانة مصرية غير مفهومة".
"سعودية" حكوميا و"مصرية" قضائيا
وجاء موقف الحكومة على الرغم من حكم محكمة القضاء الإداري، في يونيو الماضي، ببطلان الاتفاقية، وطعن هيئة قضايا الدولة (محامي الحكومة) على الحكم أمام المحكمتين الدستورية والإدارية العليا، وتقديم استشكالين لوقف حكم البطلان أيضًا، وحجز الإدارية العليا القضية للحكم النهائي 16 يناير المقبل.
وبعد قرار الحكومة أصبح هناك حالة من التخبط حول مصير تلك الاتفاقية، كما تزايدت المخاوف من وجود تصادم بين السلطتين التشريعية والحكومة من جهة، والقضائية من جهة ثانية، هو الثاني خلال شهر واحد، بعد تصادمهما فيما يخص قانون الهيئات القضائية.
وقد أقام المحامي خالد علي دعوى قضائية، السبت، ضد عبد الفتاح السيسي، وشريف إسماعيل، وعلي عبد العادل، بالإضافة إلى وزراء الخارجية والداخلية والدفاع؛ "طعنا على قرار موافقة مجلس الوزراء على اتفاقية ترسيم الحدود وإرسالها لمجلس النواب".
وقال خالد علي، عبر صفحته على "فيسبوك": "أقمنا الآن الدعوى القضائية 20235 لسنة 71 قضائية ضد رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب، ووزراء الخارجية والداخلية والدفاع؛ طعنًا على قرار موافقة مجلس الوزراء على اتفاقية ترسيم الحدود وإرسالها لمجلس النواب".
واعتبر المحامي مالك عدلي، أحد المدعين ضد الحكومة في القضية، أن "تمرير البرلمان للاتفاقية جريمة جنائية"؛ لوجود حكم واجب النفاذ لمجلس الدولة، بأن التوقيع على الاتفاقية يعد باطلًا.
وقال إنه بحسب المادة 123 من قانون العقوبات، فإن أي "موظف عام يعطل تنفيذ أحكام القضاء يعاقب بالعزل والحبس"، ما يعني أن "المضي في عملية إقرار الاتفاقية يعد خرقًا للمادة 151 من الدستور، التي توجب عدم جواز التنازل عن الأرض المصرية بأي حال من الأحوال".
ما هو الحل؟
الحل كما يراه المستشار "محمد حامد الجمل"، رئيس مجلس الدولة الأسبق، أن تلغي محكمة القضاء الإداري الحكم الصادر عنها برفض اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، وأن تقضي بعدم اختصاص مجلس الدولة بالقضية بعد موافقة الحكومة على الاتفاقية وإرسالها إلى مجلس النواب، خصوصا أن حكمها الصادر بشأن الاتفاقية ابتدائي ومعرض للإلغاء.
وقال الجمل: وفقا للدستور لا يجوز للقضاء الإداري الفصل في الاتفاقيات الدولية والأعمال السيادية، وهو من حق البرلمان صاحب الاختصاص الأصيل بشأن المنازعات الدولية، كقضية تيران وصنافير".
أما خالد حنفي، عضو اللجنة التشريعية ببرلمان العسكر، فيقول: نظرا لأن حكم المحكمة هو الأقرب فسيكون أمام الأزمة 3 سيناريوهات:
(الأول) أن تلغي المحكمة الإدارية حكمها الأول الخاص بـ"مصرية" الجزر، لتفتح الباب أمام البرلمان ليوقع عليها، وتصبح أمرا واقعا يخفف من الأزمة المصرية السعودية.
(الثاني) أن تؤجل المحكمة الحكم النهائي لحين حسم المحكمة الدستورية الأمر، وهي مسألة تستغرق وقتا، يكون البرلمان قد وافق فيه على الاتفاقية.
(الثالث): أن تعزز المحكمة حكمها السابق وترفض طعن "حكومة الانقلاب"، وتعتبر الاتفاقية لاغية، ولا يجوز التنازل لها عن السيادة عن أرض مصرية، وفي هذه الحالة لن يكون أمام حكومة الانقلاب وبرلمانه سوى اللجوء للاستفتاء الشعبي كأحد الحلول للخروج من ذلك المأزق.