كتب: يونس حمزاوي
في خطابه اليوم بمناسبة العيد الـ65 للشرطة، تناول عبدالفتاح السيسي، قائد الانقلاب، عدة قضايا مثيرة، وتجاهل أيضا عدة قضايا أكثر خطورة منه، إلا أن الأبرز على الإطلاق هو هجوم السيسي وتطاوله على ثورة يناير، واعتبارها "وقيعة" بين الشعب و"مؤسسات الدولة".
وفي خطابه الذي استغرق 30 دقيقة واختُتم بالسلام الوطني، وسط حراسة أمنية مشددة وانتشار مكثف حول مكان الخطاب في أكاديمية الشرطة لآلاف من قوات الحرس الجمهوري والشرطة، أثنى السيسي على قوات الجيش والشرطة الموالية له، والتي تقدم تضحيات كبيرة من أجل تكريس حكمه الاستبدادي، واستمرار حكم جنرالات العسكر الذي يمتد منذ 6 عقود.
وفي هذا التقرير نرصد أبرز «8» ملاحظات جوهرية حول خطاب قائد الانقلاب، اليوم الثلاثاء 24 من يناير 2017م، عشية الذكرى السادسة لثورة يناير المجيدة، التي ثبت من خلال الخطاب أن السيسي لا يعترف بها، رغم أن الدستور الذي وضعه ينص عليها ويُعظِّم من شأنها.
هاجم ثورة يناير واعتبرها "وقيعة"
من أبرز الملاحظات على خطاب قائد الانقلاب، اليوم، أنه تجاهل الذكرى السادسة لثورة 25 يناير 2011م، ولم يشر إليها صراحة، ولكن أشار إليها غمزا وهمزا ولمزا، حيث اعتبرها "وقيعة" بين الشعب و"مؤسسات الدولة"، وشن هجوما عنيفا على الثورة دون الإشارة إليها صراحة، حيث قال: "لا بد من الحفاظ على مؤسسات الدولة، لأنه يعني الحفاظ على مصر.. سهل جدا العداوات الخارجية والداخلية.. اللي مش سهل أبدا هو وحدة المصريين، وكل اللي بيتعمل ده الهدف منه أنه يحصل انقسام واختلاف"، على حد قوله.
وتهكم السيسي على ثورة يناير، مضيفا "الجهود اللي اتعملت للإيقاع بين الشرطة والجيش في 2011.. وبين الشرطة والشعب في 2011، وبين الجيش والشعب في 2011"، معلقا "اللي عايز يقضي على الدولة لازم يقسمها، ويخلي مؤسساتها تصطدم بعضها وبعض".
ويفسر الدكتور سعد الدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية- هذا التوجه من جانب قائد الانقلاب بقوله: إن عدم ذكر الثورة في خطاب السيسي ليس مستغربا، بل الغريب هو أن يذكرها.
وأضاف إبراهيم- في تصريحات صحفية- أن العسكريين لا يحبون ثورة يناير ولا من قاموا بها، متابعا «السيسي وغيره من العسكريين لا يعترفون إلا بـ23 يوليو أو 30 يونيو التي كان لهم فيها الدور الأبرز، أما ثورة قام بها الشباب والقوى المدنية لا يعترفون بها».
تعظيم 30 يونيو والتذكير بالتفويض
وفي مقابل هجومه وتطاوله على ثورة يناير، عمد قائد الانقلاب إلى تعظيم 30 يونيو والتذكير بالتفويض، وفي أول ارتجال له خارج النص، قال السيسي: إن "المصريين لمَّا خرجوا في 30 ستة (30 يونيو 2013)، و3 سبعة (3 يوليو 3013)، تحدّوا الدنيا كلها، ولما خرجوا للتفويض في 26 سبعة (26 يوليو 2013)، كانوا عارفين تماما حجم التحدي المقدمين عليه، وأن هذا التحدي له ثمن كبير".
وأضاف أنه "بعد أكثر من أربعين شهرا وأكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة، نخوض معركة شريرة خبيثة من جانبهم، شريفة كريمة جميلة من جانبنا".
"مش عارف يحسب"
وكشف السيسي في كلمته عن جانب مما دار في اجتماعه بمجلس الدفاع الوطني، الإثنين، فقال: "تحدثنا عن حجم الأموال والمتفجرات التي تم ضبطها، وتُعتبر نسبة ضئيلة من الموجود". وتابع: "ضبطنا ألف طن متفجرات.. ثمن الطن أربعة آلاف دولار.. يعني 400 مليون دولار لألف طن. وقد أخطأ السيسي في الحساب؛ لأن الصحيح هو 4 مليارات دولار وليس 400 مليون كما ذكر.
بل إن قائد الانقلاب أضاف أن هناك أيضا «عشرة أمثال وعشرين مثالا لما تم تفجيره في سيناء»، ما يعني أن الأرقام مبالغ فيها من جانبه.
وأشار إلى أنه يذكر هذه الأرقام كي يعرف المصريون "قد إيه حجم المعركة، وحجم المتفجرات فقط"، موضحا أن مهربا واحدا "كان جايب متفجرات بثلاثين مليون جنيه".
وعلق "نتكلم في مئات الملايين التي تم القبض على أصحابها لكن الأكبر يُستخدم ضدنا"، وفق قوله. وتابع "نخوض حربا قاسية.. العالم كله عارف أننا بنحاربها لوحدنا، بشجاعة وشرف".
طلب الدعم من ترامب
وكشف السيسي في خطابه عن بعض ما جاء في اتصال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هاتفيا به، مساء الإثنين، فقال: "تلقيت اتصالا إمبارح من الرئيس الأمريكي ترامب.. سألني: "الاقتصاد بتاعكم أخباره إيه؟".
وتابع "قلت له: "بقي لنا أربعين شهرا بنقاتل لوحدنا.. بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان.. المصريين صامدين، وقادرين"، مردفا: "العالم كله عارف إحنا بنعمل ايه".
"الحرب على وهم "الإرهاب"
وأفرد السيسي في خطابه مساحة كبيرة لـ"الحرب على الإرهاب"، مثمنا دور قوات الجيش والشرطة الموالية له، والتي تعمل على تكريس حكمه الاستبدادي، مشيرا إلى أن الجيش والشرطة هو الذي يتلقى الرصاص، ويقدم نفسه بدلا من المصريين.
واستدرك "بالمناسبة كلنا بنضحي.. وكل التقدير لكل المصريين اللي بيأكدوا في كل وقت، أنهم شعب عريق وعظيم وواعٍ، وهو بيشارك في المعركة بطريقة ثانية.. بصبره وتحمله وفهمه للتحدي الموجود".
وأضاف "ما استدعيناش فكرة الحرب القائمة بالفعل مش بس في سيناء وإنما في حِتت (مناطق) ثانية، ونعيش حربا زي اللي خاضتها مصر في الفترة من 67 إلى 73، لكن بشكل مختلف".
وفي الوقت نفسه قال السيسي: "أحترم كل مؤسسات الدولة، وأحافظ عليها، ولازم كلنا نحترم هذه المحافظات، ونحافظ عليها، الجيش والشرطة والبرلمان والقضاء.. مؤسساتنا هي الضمانة الحقيقية للحفاظ على الدولة المصرية، والكلام لا بد معه من برامج كي يزيد تلاحم هذه المؤسسات بينها وبين بعضها، وبينها وبين شعبها".
انتقاد للزيادة السكانية والطلاق
ولدى ارتجاله مرة ثالثة، قال: "هاطلب من المصريين حاجة كانت بتتعمل فترة حرب 73.. كانوا بيزوروا المصابين في المستشفيات ويواسونهم". وتابع مخاطبا المصريين "خلوا بالكم من سيدات مصر".
وحول الوضع الاقتصادي قال: "زاد عددنا منذ عام 1952 إلى اليوم من 20 مليونا إلى 92 مليونا .. وتضاعف عدد السكان أربعة أضعاف منذ 1952".
وانتقد ارتفاع حالات الطلاق، دون أن يتطرق إلى السبب الأساسي فيها، وهو الأزمة الاقتصادية، وغلاء الأسعار، فقال: "900 ألف حالة زواج سنويا، يتعرض 40% منها للطلاق في السنوات الخمس الأولى".
ومشيرا إلى أنه "حريص على الأسرة المصرية"، قال: "يعني ما ينفعش نطلع قانون يخلي الطلاق يبقي قدام المأذون فقط عشان حالات الطلاق الكتير دي"، موجها الخطاب إلى شيخ الأزهر، قائلا: "لا يا فضيلة الإمام.. تعبتني يا فضيلة الإمام".
واختتم كلمته بتحية "الشعب المصري الذي يعي قيمة الأمن والأمان، ويحافظ عليها"، وفق تعبيره.
دعاية بنكهة ناصرية
من الملاحظات الجوهرية كذلك أن الاحتفالية طغت عليها مظاهر دعائية، وصفها نشطاء ومراقبون بأنها جاءت بنكهة ناصرية، إذ غلب عليها الأغاني الوطنية.
وحضر الاحتفال رئيسا مجلسي النواب والوزراء، وعدد من الوزراء، وفي مقدمتهم وزير الدفاع صدقي صبحي، وكبار المسئولين، وعدد من الإعلاميين.
وألقى وزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار كلمة، ألقى فيها الضوء على بطولات رجال الشرطة "في ثورة 25 يناير سنة 1952"، وفق تعبيره، وذلك عندما تصدَّوا للإنجليز.
وقبل كلمته، شاهد السيسي فيلما تسجيليا حول إنجازات الشرطة، وكرَّم عددا من أسر ضحايا الشرطة، الذين لقوا حتفهم في المواجهات خلال عام 2016، ومنهم أسر ضحايا الهجوم على الكمين بالعريش.
وجاء الاحتفال وسط تكثيف قوات الأمن من تواجدها على المحاور المرورية الأساسية بالقاهرة الكبرى، وعواصم المحافظات، والمنشآت المهمة، حيث يأتي الاحتفال تزامنا مع حلول ذكرى ثورة 25 يناير غدا الأربعاء.
تجاهل قضايا مصيرية
وكان لافتا أن السيسي في خطابه تجاهل عدة قضايا شديدة الحساسية والخطورة، أهمها على الإطلاق تطورات أزمة سد النهضة، وتهديد حصة مصر من المياه مع اقتراب إثيوبيا من الانتهاء من بناء السد والبدء في ملء الخزان الذي أمامه.
كما تجاهل السيسي قضية تيران وصنافير وتفريطه في التراب الوطني، لا سيما بعد تأييد الإدارية العليا لحكم مجلس الدولة ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، وتأكيد مصرية تيران وصنافير.
وتجاهل السيسي كذلك الغلاء الفاحش وتفاقم الأزمات المعيشية التي يعاني منها الغالبية الساحقة من جموع الشعب، خصوصا بعد الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار حتى لامس الـ20 جنيها، بعد قرارت 3 نوفمبر الماضي بتعويم الجنيه.
وتجاهل السيسي رابعا قضية الحريات والمعتقلين الذين تجاوز عددهم عشرات الآلاف من الأبرياء، معظمهم من الشباب والعلماء والمؤيدين للرئيس المدني المنتخب الدكتور محمد مرسي، كما تجاهل الانتهاكات الحقوقية غير المسبوقة من جانب ميليشياته بحق المصريين، والقتل لمجرد الاشتباه، وتزايد وتيرة الاغتيالات للمعارضين بدون تحقيقات أو محاكمات.