كتب كريم محمد:
لمجرد أنك تنوي الكتابة عن الحقيقة حول حملة القمع التي يشنها نظام عبدالفتاح السيسي، الذي تولى الرئاسة عقب الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي، عليك أن تتوقع أن تجد نفسك مدانا بالسجن مدى الحياة".
هكذا لخصت الصحفية "كريستين شيك"، ما أسمته "مخاطر العمل كصحفي في مصر" في تقرير نشرته بموقع مجلة فورين بوليسي بعنوان "العمل مراسلا في مصر هو أخطر مهمة في مهنة الصحافة".
التقرير يدور حول المراسل الأجنبي (كرستين شيك) الذي أصبح صديقا لأحد المتعاطفين (وليس أعضاء الجماعة) مع الإخوان، والذي ذهب إلى السجن نتيجة قناعاته وهو يعمل مراسلا صحفية (الصحفي عبدالله الفخراني من شبكة رصد)، ويقبع حاليا في السجن مدي الحياة.
و"الفخراني" متهم بالانتماء لخلية إرهابية بشمال القاهرة، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة عام 2015، ويخضع الآن لإعادة المحاكمة بتهمة نشر معلومات كاذبة والانتماء إلى جماعة محظورة، وتشكيل غرفة عمليات لدعم جماعة الإخوان المسلمين، وهو الآن في سجن وادي النطرون (شمال)، وحالته الصحية تتدهور، حسب فورين بوليسي.
أقسى حملة قمع ضد الصحافة
الصحفية الأمريكية المتخصصة في شئون البوسنة والشرق الأوسط حاولت في هذا التقرير الإجابة على سؤال: لماذا أخطر شيء في الصحافة أن تعمل مراسلا بمصر؟، مشيره إلى اعتقال وسجن ومحاكمة كل من يحاول التقصي عن الحقيقة في مصر والكتابة عنها.
وذكرت أن الصحفي «الفخراني» هو واحد من 25 صحفيا على الأقل يقبعون في السجون المصرية حاليا، وإن الصحفيين وراء القضبان في مصر يحظون باهتمام ضئيل من قبل الإعلاميين والدبلوماسيين والحقوقيين، باستثناء صحفيي فضائية «الجزيرة» الإنجليزية الذين تم الإفراج عنه.
وأن «الفخراني» ليس الحالة الوحيدة التي تدفع ضريبة عمله في وسائل إعلام مؤيدة لـ«مرسي» أو قريبة من جماعة الإخوان، ولكن هناك الكثير من الصحفيين الذين لديهم قصص مشابهة لقصته.
وقالت المجلة إن السيسي منذ توليه الحكم عقب الإطاحة بمرسي، في 3 يوليو 2013، أطلق أقسى حملة قمع ضد الصحافة، في سابقة لم تشهدها مصر منذ عقود، حيث داهمت السلطات وأغلقت قنوات تلفزيونية وفرضت رقابة على الصحف، وعرضت الصحفيين للاعتقال التعسفي، وقتلت سبعة صحفيين، 6 منهم أثناء تغطية مظاهرات، وقتل صحفي واحد منهم برصاص قوات الجيش.
وتناولت الصحفية "كريستين شيك" قصة قمع المراسل الصحفي في مصر من خلال نموذج الصحفي المصري المحبوس عبد الله الفخراني هو وعدد من زملائه في شبكة «رصد» الإخبارية منذ نهاية عام 2013، والحاصل على حكم بالسجن مدى الحياة.
"شيك" روت قصة لقاءها "الفخراني" في ميدان التحرير في أول يوم من ثورة 25 يناير 2011، التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وعقب انقلاب السيسي، مؤكدة أن كل جريمته هو وأي مراسل صحفي في مصر "أنه أراد فقط أن يقول الحقيقة حول حملة القمع التي شنها نظام عبدالفتاح السيسي.
الصحفية «شيك» تحدثت عن تجربتها في ميدان التحرير خلال ثورة يناير 2011، عندما أعطاها "الفخراني" كوفية كان يرتديها لتضعها على أنفها وفمها كي تحمي نفسها من الغاز المسيل للدموع الذي كانت الشرطة تلقيه على المتظاهرين.
"عندما سألته لماذا استجاب هذا العدد الكبير من المصريين للتظاهر والاحتجاج ضد مبارك قال لي: بسبب الضغوط التي تراكمت في داخلنا من الفساد، والقمع، وغياب الحريات"، ملمحه لاستمرار نفس الاوضاع في عهد السيسي وأسوأ حتى ان الفخراني الذي لم يعتقل في عهد مبرك حكم عليه بالسجن المؤبد مدي الحياة في عهد السيسي.
وقالت إن الفخراني ساعدها في تغطية صحفية أخري عندما كانت تقوم بتغطية هجوم على كنيسة في امبابة بمحافظة الجيزة، غرب القاهرة، حيث تعرضت لنوع من الحصار عندما تطورت الأوضاع بشكل كبير في محيط الكنيسة، فلم تجد ملاذا سوى الاتصال به فأخبرها أنه قادم إليها، وبالفعل وصل في غضون نصف ساعة واصطحبها ومن معها إلى بر الأمان
ونقلت مراسلة "فورين بوليسي" عن رسالة مسربة من السجن بعث بها الفخراني قوله: "كنت ساذجا عندما ظننت في الأيام الأولى من اعتقالي أن العالم سينتفض للدفاع عني"، في إشارة لإحباطه واحباطها من عدم تجاوب العالم مع ما يعانيه المراسلون الصحفيون في مصر من قمع وتجاهل دولي لمعاناتهم.
تجربة شبكة "رصد"
وتطرق تقرير فورين بوليسي لشبكة «رصد» الإخبارية وما لها من دور قبل وأثناء وبعد ثورة 25 يناير 2011، وكيفية نقلها لما يحدث في مصر من تطورات وأخبار، ودور «الفخراني» الرئيسي في تلك الشبكة، وحضوره للكثير من المؤتمرات والدورات التدريبية في الخارج.
ونقلت المجلة عن «خالد نور الدين»، أحد مؤسسي شبكة «رصد» ورئيسها التنفيذي المقيم في تركيا تأكيده نمو الشبكة بسرعة فائقة، فبعد أن كانت تعتمد على 22 صحفيا فقط قبل ثورة 2011، انضم إليها كثير من المتطوعين ووصل عدد متابعيها على «فيسبوك» إلى 400 ألف، ثم زاد بشكل كبير ليصل الي حوالي 4 ملايين متابع منذ انقلاب يوليو/تموز 2013.
ونقلت عن «نور الدين»، أن 9 صحفيين على الأقل من «رصد» داخل السجون المصرية، وأن القمع الامني دفع صحفييها العاملين في مصر حاليا لعدم استخدام أسمائهم، "نظرا للتضييقات الأمنية الواسعة في البلاد على مهنة الصحافة" بحسب قولها.
وروت مراسلة فورين بوليسي، تجربة "الفخراني" وزملاؤه الصحفيون خلال مجزرة فض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة، التي قالت إن الشرطة قتلت فيها أكثر من ألف شخص، وأنه بعد عملية الفض قضى عدة أيام لا يبيت في منزلة، خشية حملة الاعتقالات التي طالت الكثير من الآلاف من أعضاء وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، حتى تم اعتقاله.
ثم إضراب «الفخراني» عن الطعام واضطراره لفض الإضراب عقب تدهور حالته الصحية واحتياجه للحصول على مسكنات لألم بعض الأمراض التي أضرت به.
وركزت الصحيفة على الحياة التي يحياها المعتقلون من الصحفيين وغيرهم داخل سجون السيسي والرسائل التي يسربونها وتظهر الاوضاع الصعبة التي يعيشونها وصمودهم مع هذا وأملهم في انتصار الثورة، وحالة القلق والخوف والزعر التي يعيشها النظام الحالي من ربيع عربي جديد خاصة مع اقتراب الذكري السادسة لثورة يناير.
وتنقل من منزل اسرة الفخراني كيف تعد اسرته وجبات الطعام له ولـ 12 اخرين من زملاؤه المسجونين لتوصلها لهم في الزيارة، وسعيهم لإدخال الملابس الدافئة له في الزنزانة في البرد القارس، وكيف يواجهون مشاكل في توصيل "الزيارة" له ومعاناتهم مع حراس السجن.
وتروي الصحفية تجربة "سلطان" الذي خرج من السجن بعد معاناة بسبب جنسيته الامريكية وتأكيده أن سجون مصر تمتلئ بعشرات الآلاف من السجناء السياسيين الذين اعتقلوا منذ انقلاب عام 2013.
وتنقل عن تقرير صادر في سبتمبر 2016 عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أن هناك حاليا 60 ألف سجين سياسي في مصر، وتؤكد أن القمع الدموي للحكومة هو سبب انتعاش الجهاديين الذين يحملون السلاح، وأن وضع المتطرفين مع المعتدلين داخل السجون ينذر بتحويل السجون لأرض خصبة لظهور جيل جديد من الجهاديين المسلحين.
وسبق لمراسلين صحفيين أجانب أن اشتكوا بدورهم من القيود الأمنية، على الرغم من أنهم ليسوا مصريين ورووا تفاصيل المشاكل التي يعانونها من أجل التغطية الإعلامية للأحداث في صحفهم، ومغادرة أخرين لمكاتبهم بالقاهرة خوفا من الاعتقال مثلهم مثل الصحفيين المصريين.
وكان آخر هؤلاء الذين كتبوا يشرحون طبيعة مشاكلهم في مصر، و"قصة المكتب الغامض الذي يلاحق الصحفيين الأجانب في مصر"، هو "روجر ماكشين" رئيس مكتب مجلة الإيكونومست في القاهرة، الذي كتب مقالا بعنوان: "مشكلة العلاقات العامة في مصر" نشره بمجلة 1843 التابع للصحيفة، يعبر فيه عن استيائه من "سوء معاملة السلطات المصرية للصحفيين الأجانب".
وكتب يقول: "يتم منعنا من تغطية الأحداث ويتم وصفنا بالانحياز، وبعد ذلك يتم دعوتنا لحضور كبرى الاحتفالات والمؤتمرات والتي يتم منعنا خلالها من إعداد التقارير ويتم اتهامنا بالانحياز!".