كتب: سيد توكل
"سد النهضة يبنى وفق مخطط مدروس ومدعوم من جهات مختلفة؛ لينتهي تماما في أكتوبر المقبل"، يقول الدكتور نادر نور الدين، عضو لجنة حوض النيل وأستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، الذي يرى أن سلطات الانقلاب تتجاهل ما تتخذه إثيوبيا من قرارات بشكل منفرد، رغم مخالفة ذلك للقانون الدولي، الذي يلزمها بإخطار دول المصب مسبقًا قبل إقامة المشروعات المائية على النهر.
ويمثّل سد النهضة، الذي يُتوقع أن تبدأ إثيوبيا تشغيله الفعلي رسميا في العام المقبل، قلقا لدى الشعب المصري والخبراء في الوقت نفسه، ويرجع ذلك إلى تأثيراته الخطيرة على كافة نواحي الحياة في البلاد؛ بسبب نقص المياه المتوقع في ظل اقتصار موارد مصر المائية على نهر النيل. كما أن تشغيل السد- بحسب مراقبين مصريين- سيكون له آثار اقتصادية كبيرة في قطاعات الصناعة والكهرباء والزراعة، بالإضافة إلى البنية التحتية؛ بسبب عدم إقامة مشاريع جديدة، فضلا عن هروب المستثمرين من مصر، وسط مخاوف خبراء ومختصين فنيين من أن يحوّل سد النهضة مصر إلى بقعة صحراوية خلال سنوات قليلة.
ويؤكد نور الدين أنه بعد ثلاثة أشهر ستبدأ إثيوبيا في حجز المياه عن مصر، محذرا من أن "أديس أبابا" ستبدأ مع الفيضان المقبل، في يونيو، في تخزين 14 مليار متر مكعب في البحيرة خلف سد النهضة، وهي الكمية المحددة ضمن المرحلة الأولى لملء السد.
ويكشف نور الدين عن أن حكومة الانقلاب استفسرت من إثيوبيا حول تغيير مواصفات السد دون الرجوع إليها، لافتا إلى أن وزارة الري في حكومة الانقلاب تتكتم على سير المفاوضات مع أديس أبابا، خاصة مع مخالفة إثيوبيا إعلان المبادئ الموقع مع مصر، والذي يلزمها بالرجوع لها قبل ملء السد.
سوف يدمّر السد العالي
من جهته، قال أستاذ المياه ورئيس جامعة المنوفية الأسبق "مغاوري شحاتة": إن سد النهضة يهدف منذ الإعلان عنه إلى التحكم الاستراتيجي الكامل في المياه، كما سيتبعه بناء سدود أخرى من قِبل أديس أبابا، وكلها سوف تتسبب في انخفاض نسبة المياه خلف السد العالي، من 55 مليار متر مكعب إلى أقل من 34 مليارا، موضحا أن مصر تحتاج إلى 10 مليارات متر مكعب للاستخدام المنزلي، فيما تستهلك الزراعة نحو 40 مليار متر مكعب سنويا، ما يهدد بحدوث جفاف، وتوقّف مشاريع التنمية بالكامل بسبب نقص حصة المياه، خصوصا أن حصة مصر ثابتة من المياه في ظل الاتفاقيات التي أبرمتها مع دول حوض النيل.
وأشار إلى أن انهيار سد النهضة أو ضربه، كما يحلو للبعض أن يقول، إذا أصبح أمرا واقعا، سوف يدمّر السد العالي، ويُغرق العديد من المدن والقرى بسبب قوة المياه المتدفقة، متوقعا أن تستمر فترة ملء خزان سد النهضة 6 سنوات، يصاحبها عجز في إنتاج الطاقة المائية في مصر، وانهيار الاقتصاد المصري وما يتبعه من ارتفاع في الأسعار، نافيا وجود خزان جوفي كبير في مصر، كما يردد البعض، يمكن من خلاله استصلاح مزيد من الأراضي.
وكان وزير الموارد المائية والري الأسبق نصر الدين علام قد أكد، في دراسة سابقة له، أن أهم مكسب حققته إثيوبيا في ملف سد النهضة هو فرض السعة التخزينية على دولتي المصب (مصر والسودان) من دون إخطارها.
وأضاف أن نتائج الدراسات التي اتفقت على إجرائها الدول الثلاث "غير مُلزمة" لأي من الأطراف، حسب ما جاء في إعلان المبادئ في مارس 2015، وستكون النتائج بالطبع محل خلاف في التفسير والتأويل؛ لكونها دراسات استشارية وليست تحكيمية.
تهديد وجودي
وقال خبير السدود الدولي أحمد عبد الخالق الشناوي: إن سد النهضة الإثيوبي يهدد بقاء مصر بالكامل، ويعرضها للحذف تماما من على الخريطة في حال انهياره، إضافة إلى المخاطر الأخرى المتعلقة بتخفيض كفاءة مصر من توليد الكهرباء من السد العالي. وأوضح الشناوي، الذي أشرف على تصميم العديد من السدود في إفريقيا وقارات أخرى، أن "المشكلة الأكبر أن هناك كارثة حتمية ستحدث جراء بناء السد، متعلقة بالنقص الفادح في مياه الري لسنوات عدة متتالية، وهو ما قد يتسبب في فقدان جزء كبير من الرقعة الزراعية".
وأضاف الشناوي، في تصريح صحفي، أن الشركة المسئولة عن إدارة سد النهضة إسرائيلية الجنسية، وستكون مهمتها الإشراف على الجزء الخاص بتوليد الكهرباء من السد، مؤكدا أن الهدف من وراء ذلك هو بيع المياه لمصر في مرحلة لاحقة، إضافة إلى حصول إسرائيل على مياه النيل. وشدد على أن بناء سد النهضة سيضيع على مصر 2,6 غيغاوات من الكهرباء عن طريق السد العالي في أسوان أقصى الجنوب المصري، ستفقدها مصر بالكامل نتيجة توقف السد، في حال بدء تخزين المياه خلف سد النهضة.