كتب سيد توكل:
«يا قاضي افرج عن ابني.. وانا امسحلك البلاط»، بهذه العبارة السابحة في دموع التوسل تقدمت سيدة مسنة تجاه أحد قضاة الانقلاب في القضية التي يحاكم فيها ولدها ظلمًا، والمشهورة إعلاميًا بأحداث العدوة.
الحاجة "حسنية جنيدي الداية" من قرية العدوة بالمنيا، ريفية البسيطة.. كان حلمها أن يلين قلب القاضي من خشية الله، أو يتشقق فتخرج منه الرحمة، إلا أن أيا من هذا لم يحدث، وذهبت دموعها وتوسلاتها أدراج الرياح، ورفعتها الملائكة إلى رب العالمين.
تقول الأم: "خدوا ابني من 4 سنين، طلعوه وأنا أكسح علي رجلي وأكنس البلاط، انا بطلع اشقر على ولاده كل شوية"، مرددة: "مظلوم، مظلوم".
وأضافت: "عنده 4 أطفال، أصغر طفل عنده 4 سنين مشافش أبوه"، وعند سؤالها هل كانت تتوقع حكم القاضي لصالح ابنها،أجابت:" أنا بشتكي لربنا".
المشهد المؤثر أثار غضب وتضامن حقوقيين وناشطين مع الأحرار الذين يحاكمون أمام قضاة الانقلاب من أجل حرية الشعب وكرامته، وتأثر أغلبهم من السيدة التي ظهرت في مقطع الفيديو، لا سيما أنها كانت تحمل بقلبها ألف جرح نازف على مصير ولدها المعتقل، وكانت تئن أنينا بصوت خافت طوال جلسة المحاكمة.
وقصت لحظات القبض عليه قائلة: "راجل من شغله بياكل لقمة في بيته، دخلوا عليه وأخدوه، سألناهم في ايه يا باشا، واخدينه ليه يا باشا، ردوا واخدينه شوية وهيعاود "هيرجع".
وما بين كفيها المتوسلتين وغطرسة القاضي هطلت دموعها تنزل وتنزل تحكي معاناتها في زمن البيادة العسكرية، ولاحظ من كان في قاعة المحكمة أن الأم المسكينة كانت تجلس بمنأى عن الناس، تترقب حلول تلك اللحظة الحاسمة، اللحظة التي طالما انتظرتها وتمنتها بشوق وحنين أن ترى إبنها ولو كان الرؤية تحمل تعاسة الدنيا ومرارتها من خلف قضبان القفص.
وتبكي ثانية: "بقاله 4 سنين ومرجعش لسه، وأنا بشحت علشان أعرف أربي عياله، ومعندناش أرض ولا بيت"، سعدت الأم المسكينة برغم عدم معرفتها بمصير ابنها، إلا أنها ترقبت اللحظة التي تقف فيها أمام قاضي لا يخشى إلا العسكر، لترجوه بلسان الرحمة التي لا يعرفها، وتطلب منه أن ينصت لشكواها، ويفسح لها مساحة ولو سنتيمترات من الحرية التي فقدها الشعب في 30 يونيو 2013، تطلق فيها العنان لصوتها المبحوح ينطلق مهاجرا، إلى حيث تتخلص من أوجاعها وآلامها التي سببها انقلاب الجنرال عبد الفتاح السيسي على الرئيس المنتخب محمد مرسي، إنها اللحظة الصادقة التي تملك فيها الأم أن ترخي دموعها وتتجرد من كل القيود الأمنية التي تحبس الكلمة في صدر ملايين المصريين فتخنق أنفاسهم.
وبعد انتهاء الجلسة وسحب ولدها من القفص إلى حيث تنظره سيارة الترحيلات، لجأت إلى الله تبوح ولا تنوح، وتقدم ولا تحجم، وتخبره بما فعله سفهاء العسكر، وتشكي إليه أحداثا عاشتها رغم تقدم عمرها وظروفها الصحية الصعبة، إنها لحظة رددت فيها "حسبي الله ونعم الوكيل"، لحظة اختصمت فيها قاضي العسكر إلى قاضي السماء، أمام من يملك منصة العدل الإلهية، ويملك أن يصدر الأحكام بحق تعساء العسكر، عندما أخذت تردد: "مستعينة بيك يا رب.. مستعينة بيك يارب".