كتب- سيد توكل:
تقول الأسطورة التي يجعلها الجنرالات شعارًا دون تطبيق، إن "الحفاظ على الأمن القومي واجب، والتزام الكافة بمراعاته مسئولية وطنية، يكفلها القانون، والدفاع عن الوطن، وحماية أرضه شرف وواجب مقدس، والتجنيد إجباري وفقًا للقانون"، أكذوبة نصت عليها المادة 86 من الدستور، ووفق تلك المادة يقتاد جنرالات العسكر مئات الآلاف من المصريين سخرة بـ“الخدمة العسكرية” عقب انتهائهم من مراحل دراستهم.
فهل بالفعل يؤدي هؤلاء خدمة لوطنهم؟ وهل كون التجنيد إجباريًّا يفيدهم بشيء أو يخدم بلدهم؟ وهل ما يفعلونه هو الحفاظ علي أمن البلد وحماية أرضها بالفعل؟
تلك أسئلة صعبة ومن الصعب أن تجيب عليها إجابة قاطعة، خصوصًا مع بلد كمصر استمرت لمدة 60 عامًا تحت حكم أحد خريجي المؤسسة العسكرية، ثم تحصل على فاصل لم يستمر أكثر من سنة، وتعود بعدها برئيس كان وزيرًا للدفاع ووصل للسلطة بانقلاب عسكري.
وما إن أعلنت قناة الجزيرة القطرية عن موعد بث فيلم وثائقي يتناول قضية التجنيد الإلزامي في الجيش المصري، والظروف التي يعيش فيها المجندون، حتى انتابت سلطات الانقلاب حالة شديدة من الغضب، لأن الفيلم يضرب في منطقة استغلال الأيدي البشرية في استثمارات جمهورية الجنرالات.
لا للتجنيد الإجباري
وفي مصر قرابة الـ100 ألف خلال السنة الماضية قد دفعوا غرامة الهروب من الخدمة العسكرية، وظهرت حركات تقف في وجه الخدمة العسكرية الإجبارية كحركة “لا للتجنيد الإجباري”.
وكان ضرب الحركة في صفحتهم على موقع الفيس بوك لأمريكا كمثال وكدولة مع 100 دولة أخرى، التجنيد ليس إلزاميًّا في دستورها.
وتشرح الحركة البديل بالاعتماد على المجندين خريجي المدارس العسكرية، والذين اختاروا المسار العسكري لحياتهم بأنفسهم، ثم هناك المتطوعين خلال أي حرب يمكن حدوثها، والذين يمكن تشجيهم بمميزات كمرتبات عالية تتناسب مع صعوبة الخدمة العسكرية، وأسعار خاصة على السلع والمنتجات، ومعاملة جيدة داخل الوحدات العسكرية القائمة على التدريب من أجل القتال، لا من أجل العمل بالمصانع والمزارع.
انتهاكات حقوقية داخل مستوطنات العسكر
يعد محمد علي هو أول من أدخل نظام التجنيد الإجباري لمصر في الدولة الحديثة، ومع بداية محاولات محمد علي تعويد المصريين على ذلك النظام كان نفورهم منه، فكانوا يشوهون أنفسهم أو يقطعون أصابعهم لكي يحصلوا على الإعفاء الطبي.
وبخلاف المرتبات المتدنية خلال مدة قضاء الشباب المصري لخدمته العسكرية في حال تقيده كـ “عسكري” والتي لا تزيد عن 50 دولارًا في الشهر، فإن الشهادات حول الانتهاكات الحقوقية داخل المؤسسة العسكرية كثيرة.
فنجد وفق الشهادات ما يسمى بـ “عسكري المراسلة” وهو جندي مهمته ترتيب فراش الضابط الذي يخدمه وتلميع حذائه.. ووصولاً إذا ما كان الضابط ذا رتبة، إلى قضاء طلبات زوجته وتوصيل أطفاله للمدارس.
ويفضح فيلم "العساكر.. حكايات التجنيد الإجباري في مصر"، حياة جنود يخضعون للتجنيد الإلزامي في الجيش المصري، وكيف يتعرضون لمعاملة قاسية وتمييز واضح بين الجنود والضباط، إلى جانب استغلال المجندين في المشروعات الاقتصادية المملوكة للقوات المسلحة، بدلا من التدريب العسكري.
وبين إنتاج المكرونة والزيت والسمن وتربية المواشي واستصلاح وزراعة الأراضي وتعبئة المواد الغذائية، مرورًا بتعبئة المياه المعدنية وتوزيعها ومحطات توزيع الوقود، ومصانع إنتاج الأسمنت، تتنوع أنشطة ومنتجات جهاز “مشروعات الخدمة العامة” التابع لوزراة الدفاع المصرية.
ذلك الجهاز الذي حقق صافي أرباح تجاوزت 63 مليون و477 ألف جنية خلال عام 2013 فقط وفق الحساب الختامي لموازنة الجهاز 2012/2013، وهو نفس الجهاز الذي لا يتحمل عبأ أي ضرائب أو جمارك على استيراد وتصنيع منتجاته.
يبقى فقط عبء بسيط يبقى على ذلك الكيان، وهو العاملون بالمصانع والشركات والمزارع ومحطات البنزين التابعة له، إلا أن أمرًا كـ“التجنيد الإجباري” قد وفر عليه الكثير، بدايةً من إيجاد من سيعملون بالجبر كجزء من قضاء خدمتهم العسكرية، ثم بأجور رمزية ليس بها أي عدالة.
وبموجب القانون المصري، فإن الشباب الذكور الحاصلين على شهادات جامعية يخضعون لتجنيد إلزامي لمدة عام واحد، فيما تمتد المدة للحاصلين على شهادات متوسطة إلى عامين، بينما يخضع غير الحاصلين على أي مؤهل دراسي لتجنيد مدته ثلاث سنوات.
هجوم شرس على قناة الجزيرة
وشنت وسائل الإعلام المؤيدة للانقلاب؛ هجومًا شرسًا على قناة الجزيرة، وقالت إن الفيلم اعتمد على صور مفبركة وشهادات غير حقيقية لمجندين مجهولين.
وعلق شبان مصريون أنهوا فترة التجنيد الإلزامي، على ما تناوله فيلم الجزيرة، مؤكدين أنه يكشف حقيقة الأوضاع المزرية للمجندين في الجيش المصري.
وقال "م. ب" وهو مهندس خدم في عام 2015، في وحدة حرس حدود بوسط سيناء: إن عشرات المجندين في وحدته كانوا يعانون من انعدام الإمكانيات، ونقص حاد في إمدادات الطعام والمياه، حتى إن البدو المقيمين قريبًا منهم في تلك المنطقة النائية، كانوا يشفقون عليهم ويمنحونهم بعض الخبز الجاف حتى لا يهلكوا جوعًا، وفق قوله.
أما "م.ح" (مدرس) فقال، إن القاعدة المتبعة في الجيش أن من لا يملك واسطة فسوف يتم توزيعه ليقضي خدمته العسكرية في مناطق نائية، تفتقر إلى أي خدمات، مشيرًا إلى أنه كان محظوظًا بالخدمة في أحد المقرات العسكرية المركزية بالقاهرة عام 2011، بعدما توسط له ضابط قريب له برتبة لواء.
بدوره، قال ح.ح" (محاسب) إنه قضى في الجيش 13 شهرًا كاملة، بين عامي 2012 و2013، وخرج بعدها دون أن يتعلم إطلاق النار، موضحًا أن الضباط لا يهتمون إلا بتدوين تقارير غير حقيقية بأن الجنود قاموا بالتدريب على إطلاق النار، لرفعها لرؤسائهم، بحسب تأكيده.
وكشف أن ما حدث معه في المرة الوحيدة التي جرب فيها إطلاق النار، هو أن صف الضابط المكلف بتدريبهم طلب منهم إطلاق الرصاص في الهواء، واهتم فقط بتسليم فوارغ الطلقات ليتم تسجيلها في الدفاتر، وبعد هذا اليوم لم يمسك بالسلاح مجددا حتى انتهاء فترة تجنيده.