كتب- سيد توكل:
اشتهر المصريون قبل الانقلاب العسكري الأخير بحسهم الفكاهي العالي، حتى إن البعض قد يعتقد أن أحفاد الفراعنة ملوك السعادة فيالعالم، لكن دوام السعادة من المحال، ولعل تصدر مصر لقائمة الدولة الأكثر تعاسة في العالم خير دليل على كم المعاناة النفسية التى باتت تلاحق شعب "النكتة الحلوة".
وكان طبيعيًّا أن تحتل مصر موقعا متأخرا في تقرير مؤشر السعادة العالمي، الصادر عن شبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة لعام 2017، مثلما هو الحال بالنسبة للعديد من الدول التي تقع تحت خط القمع والانتهاكات والغلاء وبلاء الانقلاب العسكري.
ووفق التقرير، الصادر اليوم الإثنين، احتلت مصر المرتبة 135 عالميًّا والمرتبة 15 عربيًّا، بعد دول تشهد أزمات منذ سنوات، بينها فلسطين والعراق والصومال.
أسباب التعاسة
فى تقرير شبكة الأمم المتحدة حول الدول الأكثر سعادة، ضم 158 دولة على مستوى العالم، تم ترتيبها من الأسعد إلى الأتعس تنازليا، جاءت مصر فى المرتبة 135 قبل سوريا واليمن اللاتين تشهدا صراعات مسلحة منذ 5 سنوات، بينما تربعت سويسرا على عرش قائمة أسعد دول العالم، جاءت دولة الإمارات كأكثر الشعوب العربية سعادة في المركز الـ 20 عالميًّا، وتلتها سلطنة عمان في المركز 22، وقطر في المركز 28، والسعودية في الترتيب 35.
مصر في عهد العسكر أضحت من الدولة التي تضم مليوني طفل في الشارع، بحسب إحصاءات منظمة "يونيسف"، وتتخطى نسبة الفقر فيها حاجز الـ25.2%، بحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كما أن التحرش الجنسي وصل معدلات قياسية، بحسب مكتب شكاوى المجلس القومي لحقوق الإنسان المصري، والذي أعلن تعرّض 64 % من النساء في مصر للتحرش الجنسي، سواء باللفظ أو الفعل في الشوارع والميادين العامة، وسط تجاهل شرطة الانقلاب التي تفرغت فقط منذ 30 يونيو 2013 إلى مطاردة واعتقال وقتل مؤيدي الشرعية وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين.
وتشير الأرقام أيضا إلى أن نسبة البطالة بعد الانقلاب وانهيار الاقتصاد تخطت حاجز الـ 13.4 % بين فئات المجتمع، وتخطت نسبة الأمية في ظل انهيار التعليم حاجز الـ26.1 %، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وتتوقع حكومة الانقلاب أن يبلغ إجمالي ديون مصر نهاية 30 يونيو المقبل، 2.6 تريليون جنيه، بحسب موازنة العام المالي الحالي، أي ما يعادل 90 % من إجمالي الناتج المحلي.
شعب بلا حرية ولا كرامة
أما عن الأوضاع السياسية، فهناك ما يزيد عن 60 ألف معتقل سياسي، بحسب حصر مبادرة "ويكي ثورة" للمقبوض عليهم منذ 3 يوليو 2013، وحتى 15 مايو 2015، وما يقرب من 7048 شهيداً برصاص العسكر، منذ يناير 2011 وحتى ديسمبر 2013، بحسب ويكي ثورة، إلى جانب 582 حالة اختفاء قسري، بحسب منظمات حقوقية.
ولا يمكن الحديث عن مؤشر السعادة في مصر، دون التطرق إلى وجود 1.5 مليون حالة عنف أسري سنويا، يتخللها حالات انتحار سببها انعدام الدخل واشتعال الأسعار وغلاء المعيشة، وحوالي 200 ألف مريض بالسرطان سنويا، لا يجدون العلاج في منظومة صحية منهارة، وما يقدّر بـ1221 منطقة عشوائية، يسيل لها لعاب جنرالات تجارة الأراضي ومحترفي وضع اليد، وتحتل مصر المركز الأول عالميا في ما يخص انتشار فيروس سي، بحسب رئيس وحدة أورام الكبد المصرية، بعد فشل جهاز كفتة اللواء عبد العاطي، الذي بشرت به الهيئة الهندسية في القوات المسلحة خير كبابجية الأرض.
مؤشر “كاتو”
احتلت مصر المرتبة الـ18 بين الدول الأكثر بؤسًا في العالم، بعد الانقلاب العسكري في 30 يونيو 2013 وفقاً لما أوضحه مؤشر “كاتو” الأمريكي للدراسات السياسية والاقتصادية، وتصنيفه السنوي عن الدول الأكثر بؤساً في العالم.
وكان السبب وراء وضع مصر في هذه المرتبة ضمن 108 دول حول العالم، هو ارتفاع معدل البطالة الذي سجل 32.72 نقطة، وانهيار الاقتصاد وارتفاع الدولار وتراجع الجنيه، واكتشاف ان فناكيش العسكر الاقتصادية والقومية كانت مجرد وهم ابتلع مليارات الدولارات.
وذكرت شبكة “سي إن بي سي” الأمريكية، أن الحروب والإضطرابات الاجتماعية والاقتصادية، هي السبب الأساسي في احتلال بعض الدول للمراكز الأولى في مؤشر الدول الأكثر بؤسًا، ويذكر ان المؤشر قائم على معدل البطالة بالدول وفقاً للتصنيف فيما بينهم.
قد يبدو للبعض أن تقرير الأمم المتحدة جانبه الصواب في تقديره لمؤشرات السعادة فى مصر، خاصة وأن «النكتة» هى الحل السحرى الذى يلجأ إليه المصريون لتخفيف معاناتهم وآلامهم إلى جانب إيمانهم العميق بأن الانقلاب سيسقط في النهاية، لكن مجلة «ساينس الأمريكية" كان لها رأى أخر فيما يتعلق بالأسباب التى تجعل البعض سعيدا والأخر تعيسا.
فتحت عنوان "ضبط صياغة الجينوم"، أشارت المجلة على غلافها إلى مجموعة من الأبحاث المتعلقة بالجينات والتي نشرتها داخل العدد، وأحدثها بحث يتناول صلة الجينات بالسعادة، إلا أن مراقبين شككوا في الأمر وقالوا لو كانت السعادة معلقة بالجينات وحدها، لوجدنا شعوبا ينعم كل أبنائها بالسعادة، وشعوبا أخرى تعاني التعاسة من أولها لآخرها، وهو أمر لا يتصور وجوده، بينما أشارت المجلة إلى أن كثيرين عزو سعادة الشعوب إلى استقرارها السياسي والاقتصادي والهم تمتعها بالحرية والكرامة والعدالة.