تحليل خاص – الحرية والعدالة
بات من شبه المؤكد أن السيسي يسير بمصر باتجاه التورط في أكثر من جبهة خارجية على غرار ما فعله عبد الناصر عندما ورط مصر في حرب اليمن ليصرف الأنظار عن تدهور الأوضاع الداخلية والقمع والقتل المستمر للمصريين بآلة الجيش والشرطة، بعدما أكد ثوار ليبيا أن طائرات مصرية قصفت -بدعم إماراتي- وللمرة الثانية نجحت قوات الثوار في استعادة مطار طرابلس من قوات موالية للانقلابي حفتر.
ويبدو أن التكهنات بشأن قرب تدخل عسكري مصري في ليبيا لأسباب "ظاهرها" مواجهة خطر "الإرهابيين" أو "داعش"، كما تقول الصحافة الرسمية المصرية، و"باطنها"، هو الإجهاز علي التيارات الإسلامية واستنساخ تجربة 30 يونيو المصرية هناك، وربما الاستفادة من دعم نفطي من بترول ليبيا في تحسين أحوال مصر، لها جذور من الحقيقة في ظل تعاظم المؤشرات على قرب أو نية هذا التدخل وبداية التورط الفعلي فيه.
فبعد ساعات من اعتراف "محمد بوصير" -مستشار حفتر لقناة "القاهرة والناس" الموالية للانقلاب-: "أن هناك دعما كبيرا غير متوقع ومتواصلا من جانب مصر بقيادة السيسى، لدعم ليبيا ضد حربها على الإرهاب الموجود على أرضها"، وأنه "سيكشف ما تقوم به مصر من دعم الجيش الليبى ضد حربه على الإرهاب، وأنه "لا يستطيع الكشف عنه الآن، ولكنه سيصرح به قريبا".
قصف طائرات – أكد ثوار ليبيا أنها مصرية، وللمرة الثانية على التوالى فجر السبت، مواقع لقوات عملية "فجر ليبيا" فى العاصمة الليبية طرابلس بعد سيطرتها على المطار.
واتهم متحدث باسم قوات «فجر ليبيا» -في بيان- الإمارات ومصر، وقال إنهما "متورطتان في هذا العدوان الجبان»، في إشارة إلى غارات جوية الاثنين وفجر السبت، كما قال المتحدث إن الحكومة المؤقتة والبرلمان الليبيين متواطئان في الغارات.
ومع أن خبراء عسكريين رجحوا في السابق أن يقتصر تدخل السيسي علي قيام مصر بضربات جوية فقط لقوات (غرفة عمليات عملية فجر ليبيا)، التي تضم مجموعات مختلفة من ثوار ليبيا أغلبها من المنتمين للتيارات الإسلامية -وهو ما حدث- أو الانتظار لتدخل شامل تقوم به قوات أوروبية وعربية (الجزائر تحديدا) ضد ثوار ليبيا، فقد بات التدخل البري أيضا واردا بعدما أخذ البرلمان الليبي المنتخب موقفا معاديا بوضوح للثوار، وقد يلجأ مستقبلا لقبول التدخل الدولي رغم رفضه له حاليا.
فالتوقعات ترجح سيناريو شبيه بما حدث في مصر يوم 30 يونيو 2013 قبل الانقلاب علي الرئيس مرسي، أي فكرة "التفويض" التي طلبها السيسي للقيام بالتخلص من الإخوان، والسيناريو المقترح لليبيا هنا هو الاستعانة بالبرلمان الليبي الجديد الذي ظهرت مؤشرات على خلافات بينه وبين ثوار غرفة عمليات ليبيا الذين هزموا قوات حفتر، وبيان البرلمان باعتبار هذه القوات "إرهابية" .
إذ إن برلمان ليبيا الجديد انعقد على أطراف ليبيا في طبرق قريبا من الحدود الليبية المصرية وليس في العاصمة طرابلس أو المدينة الثانية بنغازي، وهي مناطق تحت حماية الحكومة المصرية نسبيا لقربها من الحدود وتساند حفتر وتقف ضد الثوار.
كما أنه تم اختيار المستشار (عقيلة صالح قويدر) الذي تقلَّد عدة مناصب قضائية في عھد نظام القذافي ليكون رئيسا للبرلمان، ويعتبره البعض في ليبيا أحد رجال القذافي ومن دعاة التقسيم الفيدرالي، ويرون أن توليه ونقل البرلمان خارج سيطرة ثوار ليبيا هو عودة صريحة للثورة المضادة.
ولهذا وجه المجلس الأعلى لثوار ليبيا إنذارا لأعضاء البرلمان في طبرق يتعهد فيه بتحويل قرارات مجلس النواب الغائب عن عاصمتي الدولة والثورة طرابلس وبنغازي "لمجرد حبر على ورق وعزله في حال استمر في التخندق مع انقلابيي حفتر"، والآن بعد اعتبار البرلمان الثوار "إرهابيين" رسميا، واتهام الثوار للمجلس بأنه "خونة" بات الصراع جليا بين الطرفين ويجري شرعنة رفض انتصار الثوار على قوات حفتر، ومن ثم دعم أي تدخل أجنبي ضد الثوار.
ويمكن رصد هذه المؤشرات للتدخل المصري على النحو التالي:
1- السيسي ألمح في الآونة الأخيرة إلى ضرورة تدخل الأطراف الخارجية للسيطرة على الأوضاع في لبيبا، وقال في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس وزراء إيطاليا: "نتابع ما يدور فى ليبيا ونحضر حساباتنا لمواجهته"، وقال إن مصر قادرة على حماية حدودها مع ليبيا وفي إشارة لأنه ينتظر تفويضا لضرب ليبيا، كما تلقى تفويضا من المصريين قال إن تفويضه الأول كان "لمحاربة الإرهاب داخل وخارج مصر" قائلا: "ده بيفكرنا بالتفويض اللي طلبته من المصريين قبل كده لمواجهة أي عمل إرهابي محتمل".
وخلال المؤتمر، قال السيسي ردًا على سؤال حول استعداد مصر لإمكانية استخدام طائرات ليبية استولى عليها المسلحون هناك في عمل إرهابي ضد مصر: "إحنا مستعدين جدًا لأي احتمال زي ده، ومش من دلوقتي بس لكن من وقت.. وأنا في الجيش من أيام سقوط نظام القذافي".
– بعد اتهامات الثوار لمصر رسميا بضرب مواقعهم في مطار طرابلس، قال المغرد الشهير «مجتهد» أن الطائرات التي قصفت أهدافا في مدينة طرابلس مؤخرا هي طائرات إماراتية انطلقت من قاعدة عسكرية غرب مصر، ونقل «مجتهد»، عن مصادر مطلعة سعودية، أن دعما سخيا إماراتيا تم توجيهه للواء «خليفة حفتر»، قائلا: «الطائرتان جزء من مساعدة سخية من الإمارات لحفتر متمثلة في أموال وأسلحة خفيفة وثقيلة صارت والحمد لله غنائم في يد الثوار في بنغازي وطرابلس".
2- تأكيد مصدر رسمى رفيع لجريدة «الشروق» المصرية أن البيان الذى أصدره عمرو موسى رئيس لجنة الخمسين لتعديل الدستور حول "ضرورة بناء تحالف وطنى واسع وبناء إجماع شعبى لدعم أى قرار محتمل بالتدخل العسكرى لمواجهة الأخطار القادمة عبر الحدود الغربية فى ليبيا صدر بالتنسيق مع رئاسة الجمهورية والرئيس السيسي، يعني أن هناك سعيا حقيقيا للتدخل ولكنه ينتظر خلق حالة من القبول الشعبي (أولا)، والتنسيق مع قوى ذات مصلحة مشابهة للتغطية على هذا التدخل مثل الطرف الأوروبي. (ثانيا) والذي يخشي من أثار الفوضى في ليبيا علي زيادة الهجرة إلي أوروبا وتصدير العنف أيضا الي أوروبا.
3- هناك حالة تمهيد نيراني إعلامي وتلفزيوني من جانب وسائل إعلام النظام الرسمية والخاصة عبر تضخيم مخاطر ما يجري في ليبيا ونشر العديد من الأخبار المضخمة حول تحذيرات مصرية من احتمالات خرق طائرات ليبية المجال الجوي المصري، وتحصين أجواء مصر ضد قيام "إرهابيين" ليبيين بخرق الأجواء بطائرات ليبية وقعت في يدهم، بخلافات حوارات صحفية مع "حفتر" وأنصاره تدعو مصر للتدخل علنا في ليبيا وتعتبره "تفويضا"، ودعوة صحفيين وإعلاميين موالين للنظام لقصف ليبيا.
4- الحادثة التي وقعت على طريق (الإسكندرية – مطروح) الثلاثاء 5 أغسطس، عندما قتل مسلحون ضابطا و4 جنود شرطة وأحرقوا سيارتهم، وما تلاها من قيام كمين شرطة آخر بإطلاق النار على سيارة مشابهة لسيارة الجناة اعتقادا منه أنهم الجناة، وقتل 4 أبرياء فيها تبين أنهم مصريون وليبيون، كشفت -حسب ما نشرته جريدة الأهرام الرسمية نقلا عن منصور قوية العقاري نائب مجلس الشعب السابق وعبد السلام راغب نائب مجلس الشورى السابق- أن من لقوا مصرعهم علي يد قوات الشرطة في كمين مدينة العلمين هو رجل الأعمال المعروف في المدينة (مساعد العقاري)، وكان يرافقه اثنان من ليبيا وهما العميد حسين مفتاح عمر أشكال أحد ضباط كتائب جيش القذافي (من قوات حفتر)، وابن عمه سالم أشكال، وآخر من محافظة مطروح.
ما يثير تساؤلات حول أسباب وجود هذا الضابط الليبي من قوات حفتر في مصر؟!!! وهل وجوده هو جزء من التنسيق العسكري بين قوات حفتر وجيش مصر؟
ولهذا السبب سارع النائب العام المصري بحظر نشر أي خبر عن الحادث في الصحف كي لا تنشر الصحف مزيدا من التفاصيل التي تكشف وجود منسقين لقوات حفتر داخل مصر؟ علما أن حادثة قتل 23 جنديا بالجيش في منطقة الفرافرة قرب مطروح أيضا فسرت من جانب نشطاء مصريين على مواقع التواصل الاجتماعي علي أنها "مدبرة" لإعطاء الجيش المصري مبررا للتدخل في ليبيا بدعوي مواجهة الإرهاب الذي يجري تصديره لمصر.
وشجع هذه التكهنات إخفاء جثث الجنود وسرعة دفنها دون تشريح يبين سبب الوفاة، واستغراب خبراء عسكريين في الفضائيات المصرية عدم وجود مروحيات مصرية في الأجواء لمدة ساعة كاملة هي مدة القتال في المعسكر، لصد هؤلاء المعتدين على الجنود المصريين.
5- بات من المؤكد أن اللواء خليفة حفتر موجود حاليا فى مصر بعد أن تعرض لهجمات متتالية فى ليبيا وهزيمة قواته في بني غازي، وهو أمر أكدته مصادر دبلوماسية غربية بالقاهرة، كما أكدته صحف مصرية نقلت عن مصدر رسمى مصرى قوله إن حفتر "طلب القدوم لمصر لأن حياته أصبحت مهددة فى ليبيا وتمت الاستجابة لطلبه".
وقال إن هذه الاستضافة مؤقتة ولن تستمر طويلا، رافضا الربط بين هذا الأمر وما يتوقع من تحركات قادمة إزاء ليبيا والتي قال عنها إن مصر على علم تام بها، ولو تم الربط بين الحادثة السابقة ووجود حفتر في مصر ، فهذا يؤكد أن هناك تنسيقا مصريا ليبيا يجري بالفعل حول ليبيا.
6- نشرت وكالة رويتر تصريحات لمصادر عسكرية غربية وأخرى عربية تؤكد "أنه يجرى حاليا بحث التدخل العسكري فئ ليبيا تحت مظلة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي للتصدي للوضع المتدهور والمنفلت فى ليبيا والذى ينذر بتفاعلات وتوترات إقليمية فى شمال إفريقيا سيكون لها تأثيرات على جنوب أوروبا وحوض المتوسط إجمالا"، كما قال وزير خارجية الإمارات أنه يؤيد تدخلا عسكريا في ليبيا تقوده أمريكا وقوات برية عربية (مصر والجزائر تأتيان على رأس دول الجوار القادرة على لعب دور مؤثر في ليبيا ولديهما قلق مشترك مما يجري).
7- قالت صحيفة الوطن الجزائرية الناطقة بالفرنسية في عددها الصادر يوم 3 أغسطس أن هناك تنسيق يجري فعلًا بين الجزائر ومصر من أجل تدخّل وشيك في ليبيا بهدف محاربة "الجماعات الإرهابية" ، وأشارت إلي استعداد جزائري مصري للتدخل لمواجهة إمكانية ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق و الشام (داعش)، خاصّة بعد هزيمة الحليف حفتر وهروبه إلى مصر واحتلال مواقع لموالين للواء المتقاعد.
وقالت إنه تم تكوين لجنة أمنية استخباراتية مكونة من ضباط استخبارات من الجزائر ومصر ينسقون للتعامل مع أي تهديد أمني مع ضرورة العمل على تهدئة الأوضاع غير المستقرة في ليبيا ، وأنه "انتقل أخيرًا عددا من ضباط الاستخبارات الجزائريين إلى مصر بأمر شخصي من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من أجل التنسيق بين البلدين لتعاون استراتيجي أمني حول الملف الليبي".
8- كشف الكاتب البريطاني ديفيد هيرست في معرض تعليقه على محاولة حفتر الانقلابية في مقالته التي نشرها موقع "هافينغتون بوست" 14 مايو 2014 عن دور مصري إماراتي متعدد الجنسيات في انقلاب حفتر، وأشار لاستضافة المخابرات العامة المصرية وفدا عسكريا من دولة الإمارات.
وتساءل هيرست: هل ضغط الإماراتيون على عبد الفتاح السيسي لتحقيق وعوده بالتدخل في ليبيا؟ .وبحسب هيرست كانت قنوات التلفاز والمواقع الحكومية في السعودية والإمارات وراء نشر قصة أن هدف حفتر هو محاربة التطرف، وانعدام القانون واستعادة سلامة الدولة الليبية.
وأشار "هيرست" إلى أن السيسي استغل الفرصة في كل مقابلة مع وسائل الإعلام الغربية لتقديم نفسه باعتباره رجل المرحلة في مكافحة الجهاديين، منها قوله لمجموعة من الصحفيين الأمريكيين، بمن في ذلك جوديث ميلر من فوكس نيوز إن حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة لم يُنهيا المهمة بخلع القذافي في ليبيا، وتركوا فراغا ملأه الإسلاميون، كما قال لرويترز إنه على الولايات المتحدة مساعدته في محاربة الجهاديين أو المخاطرة برؤية تشكل أفغانستان أخرى في الشرق الأوسط.