كتب سيد توكل:
في وقت ما ومع قلة مصادر الإعلام في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، نجح انقلاب يوليو 1952 في تشويه الملكية بما فيها وليس فيها، وحملها أخطاء كل شيء، بل زور التاريخ بعدد من الأفلام السينمائية التي جعلت المصريين يلعنون كل ما قبل انقلاب يوليو "المجيد"!، وسخر "عبدالناصر" أموال الشعب في تضليل الشعب، وأهلك ملايين الجنيهات في إنتاج أفلام من عينة "الأرض" و"الكرنك" و"البوليس السري" و"بداية ونهاية" و"القاهرة 30"، في الوقت الذي أنتجت فيه عشرات الأفلام تمجد في الجيش والعسكر، وتظهر جمهورية الجنرالات بأنهم ملائكة تمشي وترتدي بيادات.
فكانت سلسلة أفلام الفنان إسماعيل ياسين الشهيرة؛ في الجيش والبوليس الحربي، وأفلام المخابرات وفي وقت لاحق جاءت مسلسلات رأفت الهجان ودموع في عيون، وغيرهما، وتم تكليف مؤلفين أصحاب أقلام قوية بالكتابة لصالح صناعة انتصارات زائفة لمخابرات وجيش العسكر، مثل الدكتور نبيل فاروق، الذي ألف سلسلة روايات أدهم صبري أو رجل المستحيل.
ومع انقلاب 30 يونيو 2013 عادت سينما العسكر، لتشويه ثورة 25 يناير ولكن بروية وحذر، حيث لا تصدم الجمهور وتفضح أكاذيبها بالتهور والاندفاع نحو الانتقام السينمائي، بقدر ما تريد أن يكره الشعب الثورة على الجيش ويلعنوها ويمنعوها في المستقبل.
ضد الثورة
من عينة تلك الأفلام التي تشوه الثورة "حرام الجسد"، الذي تبدأ أحداثه من وجهة نظر صناعة المؤيدين لسلطات الانقلاب، بوصف ثورة 25 يناير بـ"الأزمة"، وهو اللفظ المخفف لكلمة "مصيبة" و"خراب مستعجل" و"المؤامرة"، التي شاع استخدامها في إعلام العسكر، يجد أبطال فيلم "حرام الجسد" أنهم كارهون للثورة من البداية، لا سيما بعد تصدير مشهد تهريب سلطات العسكر للمسجونين والمسجلين خطر، ليشكلوا خطرًا على وعي المشاهد.
المخرج خالد الحجر وعلى نحوِ بارع أمكنه أن يصور الثورة في صورة "الأزمة"، ويخرج بها عن حقيقة أنها انتفاضة شعب ضد سلطة قمعية غاشمة دموية، من خلال بطلي الفيلم «علي» و«فاطمة» اللذين اضطرا أن يذهبا إلى طريق الحرام لأن الثورة لم توفر لهما الحلال المتوقع، لينتهي بهما المطاف إلى قتل «حسن» الذي يمثل "نظام مبارك البريء"، وبخطى سريعة تتوالى فبركة الأحداث.
المخرج علي الحجري، جعل من شخصية "مراد" الذي يمثل العسكر شخصية سلطوية متحكمة تلفها اللعنات وتصدرها لغيرها، فبدلاً من أن يستغل سلطته في صالح المزرعة "الشعب"، كان مهندسًا للخطيئة حتى النهاية التي أفضت إلى موت الشخصيات الثلاث المحورية حسن الذي يمثل نظام مبارك الطاعن في السن، وفاطمة التي تمثل مصر، وعلي الذي يمثل الثورة، على نحو مأساوي بينما بقي هو متربعًا في انقلاب 30 يونيو 2013.
وفي مشهد النهاية جاءت إسقاطات عديدة ورموز وإشارات أرد صانع الفيلم أن يقول من خلالها إن العسكر يراقبونكم ويسمعون دبة النملة، وإن ثورة يناير فشلت وماتت، كما أراد أن يبرز سيطرة الفساد وتحكمات المال والسلطة التي قادة الثورة للإجهاض، وغير ذلك من الأسباب والمبررات التي ساقها المؤلف، الذي ربما أراد أن يرسي قاعدة تقول أن من يحاول أن يغير معادلة احتفاظ العسكر بالسلطة ستنقلب عليه لعنة التغير.
ولعل أكثر رموز العمل السينمائي حيوية هي شخصية فاطمة الفتاة الريفية السمراء المغلوبة على أمرها، والتي يطمع الجميع في جسدها، والتي أراد صانع الفيلم أن يلعب بوعي المشاهد ويخدعه بأنها تشبه “مصر” الضائعة بين الثوار والعسكر الطامعين في خيراتها.
السحر ينقلب على الساحر
المفارقة ان محاولات العسكر لتشويه الثورة ستنقلب ضدهم، والدليل على ذلك مسلسل "الجماعة" الذي عرض منه الجزء الأول أيام المخلوع مبارك، ويستعد مؤلف العسكر وحيد حامد لعرض الجزء الثاني منه هذه الأيام، الذي يرى المحلل السياسي محمد جمال عرفة أنه "حقق نتائج عكسية، حيث زاد من شعبية الإخوان وسط البسطاء؛ لأن المسلسل حاول دس السم في العسل بطريقة فلسفية يصعب على الكثيرين من عامة المصريين فهمها، فأصبح المسلسل دعاية مجانية لجماعة الإخوان، بدلا من أن يكون دعاية للعسكر مقابل تشويه صورة الإخوان وتصويرها على أنها جماعة إرهابية عبر استخدام سلاح الدراما لتأثيرها القوى في الناس.
ودلل"عرفة" على ذلك بارتفاع مبيعات الكتب التي تتحدث عن تاريخ الجماعة وحسن البنا، لافتا إلى أن الشارع المصري يرفض سياسات حكومة الانقلاب ولذلك ينجذب لأي جماعة معارضة خاصة وإن كانت ترفع شعار "الإسلام هو الحل".
ويعتقد أن المسلسل خدم الإخوان لأن الجماعة دخلت بيوت المشاهدين عبر تلفزيون حكومة العسكر التي اشترت المسلسل بنحو 22 مليون جنيه، في حين تكلف إنتاجه من شركة الباتروس الخاصة نحو 50 مليون جنيه، مشيرا إلى أن الشاشات الرسمية لم تكن تذكر اسم الإخوان المسلمين وكانت تلقبهم بالجماعة الإرهابية ولكنها لم تعد كذلك الآن، بل أصبحت حديث الجميع في رمضان، مشيرا إلى أن العمل الفني كسر الحاجز الإعلامي الإرهابي العسكري حول جماعة الإخوان المسلمين.