كتب رانيا قناوي:
في الوقت الذي خرجت فيه المرأة بالشارع، وقطعت الطريق، للإعلان عن غضبها في ظل حملات تجويعها برعاية النظام، وتعمد إهانتها، واضطرارها للبحث عن رغيفها في صناديق القمامة، لم يبالِ عبدالفتاح السيسي، اليوم الأربعاء، بالأخبار التي تحدثت عن هذه الغضبة للمرأة المصرية، وأزمتها في البحث عن لقمة العيش، بعد قرار وزارة التموين بخفض نسبة الخبز على الكروت الذهبية، التي بموجبها يصرف أصحاب البطاقات الورقية خبزهم، فضلا عن اتجاه الحكومة لخفض حصة الخبز للمواطنين.
حتى إن السيسي بالتزامن مع هذه الغضبة النسائية مع اليوم العالمي للمرأة، أراد أن يستفز هذه المرأة الكادحة، وراح ليقابل بمقر رئاسة الحمهورية في مصر الجديدة "حيزبونات" المجلس القومي للمرأة، برئاسة الدكتورة مايا مرسي، وذلك في إطار الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، ليطربن أذان السيسي بعبارات الإطراء والمدح، ولا عزاء لمن تبحث عن قوت يومها في صناديق القمامة.
يأتي ذلك في الوقت الذي يحاول أنصار الانقلاب العسكري في مصر؛ الترويج بأن المرأة حققت في عهد عبد الفتاح السيسي ما لم تحققه في عهود سابقة، فيما يرى المعارضون أن تلك هي الحقبة السوداء في تاريخ المرأة المصرية.
وكشفت الآونة الأخيرة، كيف أهان قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي المرأة في مصر، كما كشفت كيف انتشر الفقر بين النساء في عهد السيسي، حتى أن عشرات الآلاف من النساء باتت تعمل في تجميع القمامة، للحصول على لقمة عيشها والإنفاق على أبنائها، في ظل حالة الانهيار الاقتصادي.
ويطالب السيسي النساء بالتقشف في الوقت لذي يمنح فيه وزراءه ملايين الجنيهات كمرتبات، فضلا عن إذلالهن باعتقال أبنائهن وأزواجهن، وقطع أرزاقهن.
وكان السيسي قد أعلن عام 2017؛ عام المرأة، ووصف نساء مصر في خطاباته بأنهن "عظيمات"، و"أيقونات العمل الوطني"، و"رمز التضحية"، في الوقت الذي شكلت النساء 54 في المئة من ناخبيه، وفق المجلس القومي للمرأة.
امرأة مصرية تلخص المشهد
ولعل تصريحات إحد سيدات مصر الكادحات وتدعى أم عمرو، لخصت من خلالها معاناة أغلب الأسر المصرية في عهد عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري، قائلة: "السيسي شحتنا وبهدلنا ودوخنا وخلانا ناكل من الزبالة".
وقالت أم عمرو -في مداخلة هاتفية لبرنامج "مصر النهاردة" على قناة مكملين، مساء الثلاثاء- إنها تسكن بمنطقة العصافرة بمحافظة الإسكندرية ولديها 6 أولاد، وفوجئت صباح اليوم بتجمهر الأهالي أمام المخابز بسبب تقليل حصة الخبز إلى 3 أرغفة بدلا من خمسة، مضيفة أن زوجها على المعاش ويتقاضى راتب 750 جنيه ولا يأكلون اللحوم إلا مرة واحدة شهريا.
وتساءلت أم عمرو: هل السيسي يأكل 3 أرغفة في اليوم؟ ولا الرغيف يكفى ابنه؟"، لافتة إلى أنها تدفع 75 جنيها لإيجار السكن وزوجها يعاني من أمراض القلب والضغط والسكر كما أنها تعاني من قصور بالدورة الدموية ولا تملك ثمن الدواء ولم تعد تستطع شراء الخضار والفاكهة بسبب ارتفاع أسعارها.
وتابعت أم عمرو: "السيسي بيقول انتو نور عنينا ولا حيموتنا ويخلص علينا ويحكم مين بعد كده؟".
وشددت أم عمرو على أن المواطنين سوف ينزلون للشوارع للمطالبة بحقوقهم قائلة:" خلاص الجوع ضيع الخوف مننا وخلانا مش هاممنا حاجة.. السيسي شحتنا وبهدلنا ودوخنا وخلانا ناكل من الزبالة".
اهتمام مزيف
ويستند أنصار السيسي إلى اهتمامه بالمرأة المصرية من خلال تعيينه لـ 90 نائبة بمجلس نواب ما بعد الانقلاب، من محاسيبه، وأن ذلك العدد هو الأعلى تمثيلا للمرأة في تاريخ الحياة النيابية المصرية.
كما يعتبرون تعيين السيسي، لوزيرة التعاون الدولي السابقة، فايزة أبو النجا، مستشارة الرئيس للأمن القومي؛ سابقة تاريخية لتولي امرأة مثل ذلك المنصب، الذي شغله اللواء محمد حافظ إسماعيل عامي 1972، 1973 في عهد الرئيس أنور السادات.
كما يستند أنصار السيسي في حديثهم عن دعمه للمرأة؛ إلى تعيينه أول امرأة في تاريخ البلاد بمنصب محافظ، وذلك بعد تعيين نادية عبده محافظة للبحيرة (شمال غرب)، إلى جانب تعيين منى محرز كنائبة لوزير الزراعة، بالتعديل الوزراي الأخير، وكذلك أربع نائبات لمحافظين، إلى جانب وجود أربع وزيرات في حكومة الانقلاب الحالية، وهن: غادة والي وزير للتضامن، وسحر نصر وزيرة للاستثمار والتعاون الدولي، ونبيلة مكرم وزيرة للهجرة، وهالة حلمي وزيرة للتخطيط.
رفاهية غائبة
وفي المقابل، يرى خبراء أن الحديث عن تمكين المرأة وحقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ أصبح رفاهية لا يملكها المصريون أمام تراجع الحقوق والحريات الأساسية، كالحق في حرية الرأي والتعبير؛ الذي تم مصادرته بموجب قوانين تخالف الدستور، حسب رؤيتهم.
ويشير الخبراء إلى قيام نظام السيسي بتأميم المجال العام والعمل المدنى، وإصدار قوانين تكمم الأفواه وتحكم القبضة الأمنية على الأفراد ومنظمات المجتمع المدني، ومواصلة إجراءات المنع من السفر، وتجميد الأموال، وإصدار قوائم الإرهاب.
وأكدت الكاتبة الصحفية، أسماء شكر، أن عهد السيسي هو الحقبة السوداء في تاريخ المرأة المصرية، مؤكدة أن قائد الانقلاب "يستخدم المرأة كستار سياسي للتغطية على جرائمه"، وأن نظامه يقلد نظام مبارك في استخدامها "كديكور سياسي لتجميل صورته"، وفق تعبيرها.
وتساءلت شكر في تصريحات صحفية: "كيف يكون السيسي قد أنصف المرأة؛ بينما اعتٌقلت في عهده 3000 امرأة وتمت محاكمتهن عسكريا، وتعرضت للقتل في المظاهرات وأثناء فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة (14 أغسطس 2013) وغيرها من مذابح الانقلاب؟".
وأضافت شكر: "في عهد السيسي هناك 10 فتيات مختفيات قسريا منذ فض رابعة إلى هذه اللحظة، وهناك إحصائية حديثة لحركة نساء ضد الانقلاب" وثقت 20 حالة اغتصاب، هي ما تم توثيقها فقط، بأماكن الاحتجاز".
وأكد تقرير لمنظمة "هيومن رايتس مونيتور"، أن "المصريات بعهد السيسي؛ منهن المقتولة والمعتقلة والمغتصبة والمحكوم عليها بالإعدام، والمطاردة والمحرومة من استكمال دراستها".
ورصدت المنظمة اعتقال نحو 3000 امرأة، 56 منهن لا زلن قيد الاعتقال حتى الآن، وقتل 90 امرأة خارج إطار القانون، إلى جانب نحو 50 حالة اغتصاب في المعتقلات، ومئات حالات الفصل من الجامعات.
وأشارت إلى استمرار "جرائم" السيسي بحق المرأة، ومن ذلك اعتقال مديرة مؤسسة قضايا المرأة، المحامية عزه سليمان، في 7 ديسمبر 2016، واتهامها بالحصول على تمويل خارجى، إلى جانب وضع 90 امرأة على قوائم الإرهاب والتحفظ على ممتلكاتهن ومنعهمن من السفر.
واعتبرت شكر أن حديث السيسي عن إنصاف المرأة بإصدار قانون الأحوال الشخصية الخاص بحضانة الطفل الذى يناقشه البرلمان؛ هو "أيضا غير منصف للمرأة".