من مذبحة «رمسيس الأولى»..هل تعوّد المصريون على مشهد الدم؟

- ‎فيتقارير

كتب: سيد توكل

انضم ضحايا ميدان رمسيس إلى قائمة طويلة من المجازر بمصر، بدأت بنحو مائة أمام دار الحرس الجمهوري، ثم مثلهم أو أكثر على أطراف ميدان رابعة العدوية، الذي كان المقر الرئيسي لاعتصام مؤيدي مرسي على مدى أسابيع، قبل أن يسقط المئات عندما قامت الشرطة بفض الاعتصام بالقوة.

توافد آلاف المتظاهرين منذ الصباح في ظل غياب واضح لقوات الأمن، في حين قامت مدرعات الجيش بإغلاق الطريق المؤدي إلى ميدان التحرير، وأدى المتظاهرون صلاة الجمعة بمسجد الفتح الواقع في قلب الميدان، وأمّهم فيها الداعية صلاح سلطان، الذي كان أحد أبرز الخطباء على منصة رابعة العدوية طوال أيام الاعتصام.

طائرات القنص

وقابل المعتصمون الطائرات برفع الأحذية، مع هتافات تستهدف وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي وتطالب بالقصاص منه، في حين نقل الإعلام المحلي عن مصادر عسكرية أن ما وصفها بـ"جماعات العنف المسلح" حاولت إسقاط طائرات الجيش التي أتت بغرض المراقبة والتصوير الجوي.

اشتعل الموقف تماما عندما بدأ إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين من عدة جهات، مما دفع بعض المتظاهرين للاعتقاد بأن بعض الرصاص يأتي من مروحيات عسكرية كانت تحلق فوق الميدان، بينما رصدت الكاميرات أحد أطقم مروحيات الجيش يحمل مسدسا ويصوبه باتجاه المتظاهرين.

وتخللت أحداث المذبحة عدة مشاهد، تجسدت فيها معاني السلمية والبطولة، حيث عرّضت إحدى السيدات حياتها للخطر من أجل إسعاف أحد المصابين، بينما لا يملك المتظاهرون غير صدورهم العارية، وربما بعض الحجارة لمواجهة الرصاص الحي والخرطوش والغاز الكثيف.

شهادتي

يقول الدكتور وصفي عاشور أبوزيد، عضو المكتب التنفيذي لجبهة علماء ضد الانقلاب، في شهادته: "ما عشته في ميدان رمسيس وفي الطريق إليه يوم الجمعة 9 شوال 1434هـ الموافق 16 أغسطس 2013م، فيما عرف بجمعة الغضب التي تلتْ مجازر فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة، هي عبارة عن أجواء حرب بامتياز".

مضيفا: "انطلقنا من مسجد خالد بن الوليد بميدان "الكيت كات" بالجيزة بعد صلاة الجمعة، في مسيرة حاشدة انضم لها الآلاف، متجهين جميعا إلى ميدان مصطفى محمود، وقبل الميدان فوجئنا بمدرعات الجيش وعربات الشرطة تسد الطريق وتحول دون الوصول إليه، مما اضطرَّنا إلى صعود كوبري أكتوبر والاتجاه لميدان رمسيس.

وتابع: "قطعنا هذه المسافة التي تزيد على عشرة كيلومترات تحت شمس حارة جدا، مرورا بالزمالك ثم العجوزة ثم الأزبكية ثم رمسيس. وأؤكد لكم أن المسيرة كان أولها ميدان رمسيس، وآخرها "طلعة" المهندسين؛ حيث كانت الحشود تسد الأفق وسط تأييد من الأهالي في بلكونات المنازل من اليمين والشمال".

تسونامي البلطجية

ويستطرد "أبوزيد": "بدأت مجموعات من البلطجية والشرطة تهاجمنا عند موازاتنا لميدان التحرير بالخرطوش وقنابل الغاز، مما أحدث اضطرابا في المسيرة، ولكننا غامرنا وأكملنا سيرنا تحت الضربات والقنابل الحارقة".

وتابع: "ظل الوضع هكذا حتى وصلنا الأزبكية، وتحديدا عند قسم شرطة الأزبكية، ونحن فوق الكوبري، وإذا بإطلاق نار كثيف ينهال علينا في المسيرة من يمين الكوبري وشماله".

مضيفا: "وظلت الرصاصات تتابع علينا حتى ارتقى عدد من الشهداء فوق الكوبري، ولم يكن هناك من مخرج لهؤلاء نسعفهم به إلا الحمل على الأكتاف وشق صفوف المسيرة الضخمة، رغم التعب والإنهاك، والوصول بهم إلى المستشفى الميداني بمسجد الفتح تحت قصف الرصاص والقنابل".

ماذا حدث؟

ويمضي "أبوزيد" في شهادته بالقول: "بدأت الجرأة تخامر القلوب، والأصوات تتنادى، وشققنا جو الرصاص والغاز، ومضينا في طريقنا إلى حيث ميدان رمسيس، كنت في الربع المقدم من المسيرة، ولا أدري ماذا حدث للمسيرة بعد ذلك".

وتابع: "وصلنا ميدان رمسيس، فإذا بطلقات النار والرصاص الحي وقنابل الغاز المهيج للأعصاب من الجيش للأسف، ومن الشرطة، ومن البلطجية.. ورأيت بعيني مروحيات للجيش كثيفة تحلق فوق الميدان وانطلق من بعضها رصاص على المتظاهرين السلميين".

مضيفا: "أؤكد لكم أن إطلاق الرصاص لم يتوقف منذ الساعة الثالثة عصرا حتى بعد صلاة العشاء في جو رهيب بميدان رمسيس، تشعر فيه تماما أننا في حالة حرب بالفعل: رصاص لم يتوقف، مروحيات أعلى الميدان ترعب الناس وترهبهم، وهي للأسف مروحيات تابعة للجيش، يعرفها الجميع".

مشددا: "عشنا أجواء حرب كأننا صهاينة في الميدان والجيش المصري يحاربنا. دخلت مسجد رمسيس والمستشفى الميداني لأرى المآسي الموجودة والجثث الملقاة والمصفوفة داخل المسجد ومئات الجرحى، ولا أستطيع بحال أن أصدق أننا نعيش في مصر، وأن الجيش المصري لأول مرة بطائراته ومدرعاته يوجه الرصاص في قلوب شعبه".

الثورة مستمرة

ويؤكد "أبوزيد" أنه "ظل الأمر هكذا ونحن نكر ونفر في الميدان إلى أن انتهينا من صلاة المغرب ثم صلاة الجنازة، والعشاء، ثم أعلن د. صلاح سلطان قرار التحالف الوطني لدعم الشرعية بالانصراف، وانصرفنا سيرا على الأقدام حتى وصلنا ميدان الأوبرا القديم (إبراهيم باشا) في العتبة، ولم نجد من المواصلات ما يبلغنا، وكنا قد دخلنا وقت حظر التجوال".

وتابع: "كانت هناك مواصلات فقط إلى الحسين ومنشية ناصر، وبعد محاولات كثيرة للخروج من الميدان والبحث عن وسيلة مواصلات بالاتصال ببعض الأصدقاء .. وذهب كل هذا دون جدوى.. وهيأ الله لي أحد الذين كانوا معنا حيث وفَّر هذا الأخ (عبدالناصر من محافظة بني سويف) مبيتا عند أحد أصدقائه في منشية ناصر بالقاهرة، وبتنا هناك حتى أصبح الصباح ثم انصرفنا".

وتابع: "لكن هذا الإجرام الذي رأيناه بشكل غير مسبوق لن يثنينا عن مواصلة الطريق، وعن التصدي لهذا الظلم الفادح وهذا الكفر بالإنسانية؛ حتى يسترد الشعب ثورته، ويستعيد كرامته، لأننا لسنا على استعداد أن نعيش تحت "بيادات" العسكر ودولتهم الفاشية، وإلا فبطن الأرض خير لنا من ظاهرها!".