في قرار لا يحدث في دولة مدنية ويثبت أنه حكم عسكري، قرر النائب العام المستشار محمد شوقي ندب لجنة خماسية من المهندسين المختصين بالهيئة الهندسية للقوات المسلحة والمكتب الاستشاري بالكلية الفنية العسكرية وأحد أعضاء هيئة الرقابة الإدارية المختصين قانونًا، للانتقال إلى مكان الحادث الذي وقع صباح أمس بين قطارين بمحافظة المنيا، لفحص القطارين وبيان مدى صلاحيتهما وصلاحية أجهزة التشغيل والسلامة الخاصة بهما، ومدى اتباع المسؤولين عنهما للتعليمات واللوائح المنظمة للتشغيل من عدمه، وتحديد أوجه المخالفات المنسوبة إليهم وطبيعتها وسند مسؤوليتهم، ومعاينة مكان الواقعة لبيان أسباب وكيفية وقوع الحادث والمتسبب في ذلك.
كما قرر تشكيل لجنة من هيئة السكك الحديدية برئاسة أحد المهندسين الفنيين بمحطة مصر أو المسؤول عن الهندسة الفنية بمحطة مصر، للانتقال إلى مكان الحادث لفحص القطارين وبيان أسباب وقوعه.
ووجه بانتقال أحد أعضاء النيابة العامة برفقة أحد خبراء الأدلة الجنائية لمعاينة غرفة المراقبة المركزية التابعة لمنطقة الحادث والتحفظ عليها، وإجراء معاينة مسجلة ومصورة لكل الأجهزة التي رصدت حركة تسيير القطارات بمنطقة الحادث وقت وقوعه، وإعداد تقرير مصور لما تسفر عنه المعاينة.
وجاء قرار النائب العام ليثير استغراب الخبراء والمراقبين، الذين استهجنوا استبعاد علماء وأساتذة النقل بجامعات مصر، الذين أسسوا كليات وهيئات نقل عالمية، وإقحام العسكريين في كل شيء في مصر.
ومنذ انقلاب 2013 على الرئيس محمد مرسي، تزايد ظهور المؤسسة العسكرية في مجالات خارجة عن نطاق مسؤولياتها التقليدية، سواء في مجال البنية التحتية أو أجهزة السلطة التنفيذية أو التخطيط لمشاريع.
ويأتي الاستعانة بالعسكريين بعد موافقة البرلمان على قانون رقم 3 لسنة 2024 بشأن تأمين وحماية المنشآت والمرافق العامة والحيوية في الدولة، وكذلك موافقة مجلس النواب على تعديلات عدة على “قانون القضاء العسكري” رقم 25 لسنة 1966، التي تم نشرها في “الجريدة الرسمية”.
يمنح القانون رقم 3 الجيش سلطة جديدة واسعة لممارسة وظائف معينة بدلاً من الشرطة والقضاء المدني والسلطات المدنية الأخرى كليًا أو جزئيًا.
وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية قد أصدرت تقريراً سلطت فيه الضوء على انتهاكات قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي للحقوق والحريات من خلال فرض قوانين تعزز التدخل العسكري في الحياة المدنية.
وقالت “هيومن رايتس ووتش” إن “هذه الصياغة الفضفاضة غير المسبوقة تفسح المجال أمام المزيد من التدخل العسكري في الحكم المدني والحياة اليومية، مما يمنح الرئيس ولواءاته الحرية في تحديد التهديدات للأمن القومي.”
كما يمنح القانون الجديد وزير الدفاع صلاحية تحديد أعداد العسكريين ومواقعهم ومهامهم وتوزيعهم بحسب مقتضيات “طبيعة عملهم داخل هذه المنشآت والمرافق العامة والحيوية.”
ويكلف القانون الجديد القوات المسلحة بـ”معاونة الشرطة والتنسيق الكامل معها في تأمين وحماية المنشآت والمرافق العامة والحيوية، بما في ذلك محطات وشبكات أبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكك الحديدية وشبكات الطرق والكباري” و”ما يدخل في حكمها”.
ويمنح القانون العسكريين المشاركين في هذه العمليات الصلاحيات القضائية التي تتمتع بها الشرطة في الاعتقال والضبط.
ووفقًا للمنظمة، “يمكن استخدام هذا النص لنشر عسكريين بشكلٍ دائم في المرافق الحكومية المدنية، مما قد يقوض استقلالها أو يؤدي إلى قمع تعسفي من قبل القوات العسكرية ضد التجمعات السلمية قرب هذه المرافق.”
وينص القانون أيضًا على أن جميع الجرائم المرتكبة ضد المرافق العامة والمباني العامة “الحيوية” أو فيما يتعلق بها يجب ملاحقتها أمام المحاكم العسكرية.
بدلاً من إعادة النظر في السياسات السياسية والاقتصادية التي قوّضت حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية لملايين المصريين، عزز السيسي السلطة السياسية والاقتصادية للجيش وزج بالقوات المسلحة لمواجهة آمال شعوبها في حكم مدني يحمي كرامتهم.