ماذا وراء الزيارة السرِّية للسفير الأمريكي إلى العريش؟

- ‎فيأخبار

يبدو أن مشاريع "صفقة القرن" التي اُتفق عليها في ورشة البحرين، والتي خصصت لمصر استثمارات بنحو 20 مليار دولار؛ لتهيئة سيناء لاستقبال ملايين الفلسطينيين، وفق مخططات الصفقة لا تزال سارية المفعول رغم اختفاء رُعاتها من مسرح الأحداث فقد توارى دونالد ترامب وفريقه الرئاسي في أعقاب هزيمته المدوية في الانتخابات الرئاسية الأميريكية في نوفمبر 2020م، كما اختفى بنيامين نتنياهو بعد إسقاطه وتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، وما فشلوا في تمريره بالعنف والقوة  ،يتجهون لفرضه بالقوة الاقتصادية والسياسة الناعمة.

على هذا النحو جاءت زيارة السفير الأمريكي في القاهرة جوناثان كوهين، ومديرة الوكالة الأمريكية في مصر بالإنابة مارغريت سانشو إلى مدينة العريش،والتي لم تكشف عنها أية وسيلة إعلامية مصرية، إلا من خلال إعلان صفحة السفارة الأميركية عن تفاصيل الزيارة.

عقب الزيارة، أعلنت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية "USAID/Egypt" ضمانها وصول مياه الشرب إلى 450 ألف مصري هم سكان محافظة شمال سيناء، من خلال محطة تحلية مياه البحر المُموّلة من الوكالة، ورغم أنه جرى افتتاحها العام الماضي، إلا أن السفير الأميركي في القاهرة جوناثان كوهين، ومديرة الوكالة الأميركية في مصر بالإنابة مارغريت سانشو زارا المحطة الكائنة في مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء سرا الأسبوع الماضي، بحضور محافظ شمال سيناء اللواء محمد عبد الفضيل شوشة، وقد شربوا معا من مياه البحر التي تمت تحليتها مباشرة من الصنبور.

وقد أُحيطت الزيارة بالكثير من السرية، وتمت بتنسيق ومتابعة مباشرة من قوات الجيش، ولم يُدعَ إلى اللقاء غالبية المسؤولين الحكوميين والموظفين المختصين، إذ اقتصر الحضور على قادة بالجيش الثاني الميداني، ومحافظ شمال سيناء، وبعض المسؤولين البارزين، بل تم الطلب من المحافظ والمسؤولين الحاضرين عدم الإدلاء بأي تصريحات حول الزيارة، حتى صدور قرار يُلغِي الحظر، وهذا ما أدى إلى عدم تسرب أي معلومة إلى الإعلام حولها طِيلة الأيام الماضية.

وتركزت فعاليات الزيارة على تفقد محطة تحلية المياه، بصفتها أبرز مشاريع المنحة الأميركية في شمال سيناء، وتهدف إلى حل أزمة المياه في المحافظة بشكل كامل، بالإضافة إلى تفقد الأوضاع الأمنية في مدينة العريش، والاطلاع على آخر تطورات الموقف الأمني فيها، خصوصا في ظل المساعدات العسكرية الأميركية للجيش المصري، لا سيما بعض الآليات المدرعة التي تستخدم في مواجهة تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش".

وإلى جانب محطة تحلية المياه، تقوم السفارة الأمريكية والوكالة الأمريكية بحفر آبار عميقة وبعض الدعم اللوجيستي الذي يضمن وصول المياه إلى كل قرى ومدن شمال ووسط سيناء خلال الفترة المُقبلة، والتي تستهدف إنجاز المشاريع المتفق عليها مسبقا، وتحقيق الأهداف المرجوّة منها، وكلها تتعلق بالبُنى التحتية للمياه على وجه التحديد، رغم أن شمال سيناء تحتاج إلى الاهتمام في ملفات أخرى متعددة.

والغريب أن تلك المشاريع لا تتم بالتنسيق مع محافظة شمال سيناء، وإنما مع الجيش، والشركة القابضة للمياه والصرف الصحي، في ظل أن أي عمل دولي في شمال سيناء يخضع لموافقة ورقابة قوات الجيش، إذ أن المحافظة منطقة عسكرية مغلقة.

وبحسب ما جاء على صفحة الوكالة الأميركية، فإنه تم افتتاح محطة تحلية مياه البحر بالعريش في عام 2020، وهي واحدة من مشاريع البنية التحتية العملاقة للمياه التي دعمتها "مبادرة شمال سيناء" التابعة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية بمنحة قيمتها 50 مليون دولار، بالشراكة مع الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، بما يضمن حصول جميع سكان المنطقة، والبالغ عددهم 450 ألف نسمة، على المياه النظيفة، وقالت السفارة الأميركية، في بيان على صفحتها في "فيسبوك"، إن :"كوهين قام بزيارة مدينة العريش بشمال سيناء الأسبوع الماضي، حيث التقى المحافظ، وقام بجولة في محطة لتحلية مياه البحر تمولها الحكومة الأميركية، وناقش بعض القضايا الأمنية مع قائد الجيش الميداني الثاني في مصر، وقد زار كوهين منشأة تحلية المياه الرئيسية في العريش، والتي تزود 126 ألف نسمة بمياه الشرب".

وأشار بيان السفارة إلى أن :"الولايات المتحدة قامت بحفر 14 بئرا عميقة، وست محطات لتحلية المياه الجوفية، وأربعة خزانات للمياه، وشراء 50 شاحنة لتوزيع المياه، إلى جانب بناء محطة تحلية مياه البحر".

هذه المنح والمساعدات  الأميركية لأهالي العريش تثير كثيرا من التساؤلات حول المليارات الباهظة التي أعلن نظام السيسي أنه أنفقها على مشروعات بسيناء، فأين هذه المشروعات؟ ولماذا لا يرى الناس لها أثرا أو قيمة؟ ولماذا لم يستفد منها المواطنون؟ وهل جرى نهبها كما هو مُتوقع معروف؟  وهل كانت هناك أي رقابة على هذه المشروعات الوهمية التي يتحدث عن نظام السيسي في سيناء؟!

 

مشاريع سرية

ومنذ إبريل الماضي، يعمل فريق هندسي، بمشاركة عشرات العمال والآليات الثقيلة، على مدار الساعة، في شق الطريق أمام خطوط مياه عملاقة في شبه جزيرة سيناء، فيما لم يعلن رسميا عن ماهية هذه المشاريع، أو وجهتها، خصوصا في ظل الحديث عن نقل مياه النيل إلى الأراضي المحتلة عبر ترعة السلام وسحارة سرابيوم من خلال ستة أنفاق أسفل قناة السويس، كجزء من حل قضية سد النهضة الذي فشل النظام في معالجته مع إثيوبيا طيلة السنوات الماضية، وتستطيع هذه المنظومة نقل ربع مليون متر مكعب من المياه من ترعة الإسماعيلية، إحدى الترع الرئيسية لنهر النيل، في اتجاه الضفة الشرقية لقناة السويس، حيث شبه جزيرة سيناء المحاذية لصحراء النقب، التي يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تنميتها، وهي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه.

وينخرط في هذا المشروع عشرات المهندسين مع آليات ثقيلة، بحماية الجيش المصري، كون الشركة المتعهّدة تابعة للهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية، حسبما أكد أحد العاملين في المنطقة، ويُحظر تغطية العمل إعلاميا، أو السماح لأي مدني من خارج منظومة العمل بالوصول إلى المنطقة أو مشاهدة الأعمال القائمة، وفي بحث عن مشاريع وزارة الري المصرية، والهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة المصرية، لا يظهر أي خبر يتعلق بمد أنابيب مياه ناقلة في سيناء، بما يشمل ذلك من تفاصيل لهذا العمل الضخم، وفي محاولة للاستيضاح حول ماهية العمل من خلال محافظة شمال سيناء، أشارت مصادر مسئولة بعدم اختصاص المحافظة بهذه المشاريع، وأنها غير مطلعة عليها، إذ إنها تعتبر من المشاريع السيادية التي تتم إدارتها من القاهرة بشكل مباشر، وبمعرفة القوات المسلحة المصرية، بعيدا عن الهيئات الحكومية المحلية.