شيرين أبو عاقلة تودع الأرض بفضح جديد للصهاينة 

- ‎فيعربي ودولي

وكأنها على موعد أن يكون دفنها موقفا جديدا في مواجهة الاحتلال يستكمل ما بدأته في حياتها من مقاومة بالكلمة والصورة والرأي والوقوف أمام الإجرام الصهيوني.

فبعد إصابتها في مقتل على يد قناص صهيوني بشكل جعل العالم كله يتذكر مأساة الفلسطينيين وصمودهم في مواجهة الاحتلال الصهيوني وإجرامه؛ كانت جنازة الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة ضربة جديدة للصهاينة من حيث أرادوا أن يكون انتصارا لهم بالتخلص من صوت صحفية استمع العالم إلى صوتها أكثر مما كان يسمعه خلال حياتها على قناة الجزيرة.

الإجراءات الصهيونية القمعية من رفض لرفع العلم الفلسطيني ومطاردة النعش والاعتداء على المشيعين كانت كفيلة بتوجيه اللعنات إلى الكيان الذي لم يتحمل مراسم دفن صوت الحقيقة إلى مثواها الأخير.

وكما كانت حياتها كلها على الهواء فضحا للصهاينة وكان مقتلها على الهواء إثباتا لإجرامهم الذي لم يتوقف؛ كان مشهدها الختامي، على الهواء أيضا، أكثر إيلاما للصهاينة وفضحا لإجرامهم. حيث رفض جيش الاحتلال الصهيوني بعنجهية أن تتم عملية تشييع جثمانها من دون أن يترك بصمته حيث طلب من عائلتها و”قناة الجزيرة” أن تتم إجراءات التشييع وفق شروطه التي نصت على منع رفع العلم الفلسطيني وانتقالها من المستشفى الفرنسي في حي الشيخ جراح إلى كنيسة الروم الكاثوليك بسيارة سوداء من دون مرافقين أو موكب جماهيري.

غير أن شبان القدس وعائلة الشهيدة أصروا على خوض معركة التشييع عبر رفض الانصياع لقرارات شرطة الاحتلال التي تحضرت منذ ساعات الصباح الباكر عبر فرض الحواجز وقطع الطرق وجلب فرق الخيالة ومئات عناصر الشرطة المدججين.

وأصر مئات الشبان على إخراج الجثمان من ثلاجة الموتى وحملوه على الأكف حيث غطي التابوت الخشبي بالعلم الفلسطيني وهتفوا غاضبين وبعد توجههم إلى بوابة المستشفى بدأت إجراءات القمع والضرب وإطلاق القنابل الصوتية والغازية.

وكاد الجثمان أن يسقط على الأرض بفعل القمع الوحشي الذي تعرض له حاملوه إلا أنهم تماسكوا وتراجعوا إلى داخل المستشفى.

وقامت القوات المدججة بالأسلحة لأكثر من نص ساعة بقمع الشبان والمشيعين وضربهم واعتقالهم حيث أصيب العشرات بالاختناق والكسور، ومن ثم جلبت سيارة سوداء اللون وأجبرت العائلة على وضع الجثمان داخلها حيث نزعت الأعلام عنه ومن ثم إخراج الجثمان من باب المستشفى الذي أغلق ليكون فاصلا بين المشيعين وجثمان أبو عاقلة.

 ومع إغلاق باب المستشفى الفرنسي الذي اقتحم من مئات عناصر الشرطة بدأت عملية قمع بإطلاق الرصاص المطاطي والقنابل والغاز السام فيما سارت السيارة نحو كنيسة الروم الكاثوليك في البلدة القديمة على بعد عدة كيلو مترات.

وبعد أقل من ساعة انسحبت قوات الاحتلال من مبنى المستشفى بفعل ضغوط دولية وهو ما دفع المئات من المشيعين للركض من أجل الوصول إلى الكنيسة.

وسار النعش وحيدا في شوارع القدس حتى وصل الكنيسة حيث كان ينتظر آلاف المصليين والمشيعين. فيما طارد مئات الجنود مجموعات الشبان في محيط المستشفى الفرنسي ودارت اشتباكات واسعة وفي محيط منطقة كنيسة الروم الكاثوليك.

وبعد صلاة استمرت ساعة أداها المطران ياسر عياش وحضرها حشد غصت بهم كنيسة الروم ودعت أبو عاقلة بالدموع والورد والهتاف وتحديدا في لحظة إخراج الجثمان من الكنيسة.

وحرص المشيعون على تأكيد رمزية حمل العلم الفلسطيني في كل محطات انتقاله الجنازة في القدس، ورغم مصادرة الأعلام في منطقة المستشفى الفرنسي في الشيخ جراح إلا أن العشرات ظلوا يحملون العلم في الكنيسة وفي مسير انتقال الجثمان منها إلى مقبرة جبل صهيون

حضر مقدسيون ونشطاء جنازة الشهيد فيصل الحسيني الذي يلقب “أمير القدس” مؤكدين أن الحشد الجماهيري الهائل والمهيب للشهيدة أبو عاقلة يشبه ما حدث في القدس في عام 2001 عندما شيعت الحسيني حيث تحررت القدس لأول مرة بعد أن تم تفريغها من كل قوى الاحتلال.

واستمر تشييع جثمان الشهيدة أبو عاقلة على مدى ثلاثة أيام متتالية قاطعا مسافة 120 كيلو متر من جنين إلى نابلس، ومن ثم إلى رام الله، وأخيرا إلى القدس العاصمة حيث وريت الثرى إلى جانب قبري والديها.

وشارك في التشييع مئات الإعلاميين فيما قدم مذيعو الجزيرة تغطية مباشرة على الهواء مباشرة حضرت فيها الكثير من الدموع ومشاعر الفقد.

وقالت جيفارا البديري صديقة أبو عاقلة، قالت إن أصعب شيء أن تشاهد رفيقك في العمل الصحافي وصديقك يدفن تحت التراب.

وبعد دفن الجثمان وانتهاء مراسم التشييع استمر تواجد زملاء الشهيدة من صحفيين وصحافيات على القبر، فيما بقي عشرات الأطفال والمواطنين بالقرب من القبر الذي تغطى بالورد والرايات والتذكارات في إشارة إلى أن من قرر وضع حد لحياة الشهيدة الصحفية عمل من دون أن يدري إلى نقيض ذلك.

وشهدت مدينة القدس إضراباً شاملاً بفعل دعوة من القوى الوطنية والإسلامية وقوى وحراكات شبابية من المدينة.