زيارة مدبولي لتونس وسيناريو الانقلاب على قيس سعيد!

- ‎فيعربي ودولي

خلال الزيارة التي قام بها مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء بحكومة الانقلاب، إلى تونس الجمعة 13 مايو 2022م، اعترف دكتاتور تونس قيس سعيد أن يتقاسم الأفكار والتصورات مع طاغية مصر وفرعونها الجنرال عبدالفتاح السيسي. وأشاد سعيد خلال استقباله مدبولي في قصر قرطاج،  بما "يتقاسمه مع أخيه عبد الفتاح السيسي من مبادئ وتصورات مشتركة لبناء الدولة الوطنية وعزم ثابت على اختصار المسافة في الزمن وفي التاريخ من أجل مستقبل أفضل للشعبين التونسي والمصري ولتعزيز جسور التعاون والتبادل والتضامن بينهما".

هذا اعتراف وإقرار من جانب ديكتاتور تونس أنه يتخذ من طاغية مصر وفرعونها السيسي مثلا وقدوة في إدارة البلاد؛ فما معنى أن السيسي وسعيد يتشاركان الأفكار والرؤى والتصورات والمبادئ؟ معنى ذلك أن قيس سعيد الذي ارتدى جلباب الثورة وخطابها زورا وبهتانا هو ألد أعدائها في الجوهر والحقيقة، وأن تبنيه خطاب الثورة والرفض الصارخ للكيان الصهيوني لم يكن سوى مسرحية من أجل القفز على منصب الرئاسة لاحتكار كل السلطات وتدمير كل مكتسبات الثورة من حرية وديمقراطية وحقوق إنسان.

هذا الاعتراف من ديكتاتور تونس  هو إقرار بالدور المصري في الانقلاب على تجربة تونس الثورية والديمقراطية، وقد كانت تمثل الاستثناء الوحيد في الربيع العربي؛ حتى جاء قيس سعيد  للقاهرة في إبريل 2021م متبركا بأستاذه ومثله الأعلى عبدالفتاح السيسي، وهي الزيارة التي كشفت حينها الوجه الحقيقي للرئيس التونسي؛ فلم يكن سوى  صدى الاختراقات الفرنسية الإماراتية ومعبرا عن سياستهما، برهنت الأيام أنه كان يدير لانقلاب غير عسكري على الثورة التونسية وتجربتها الديمقراطية القصيرة، حاول توسيع صلاحياته بما لم ينص عليه الدستور فعرقل الحكومة حتى يحصل على سلطاتها بالبلطجة السياسية؛ فلما وجد أن ذلك لا يكفيه؛ انقلب على الدستور نفسه وجميع مؤسسات الدولة المنتخبة بإرادة الشعب الحرة؛ لينصب نفسه في يوليو 2021م، دكتاتورا مطلق الصلاحيات. ولم يكن في كل ذلك سوى تلميذا من تلاميذ الثورة المضادة؛ وبيدقا من بيادقها.

اليوم يقف قيس سعيد وحيدا أمام الشعب التونسي الذي أعلن كفره بمشروع الانقلاب والثورة المضادة؛ تماما كما يقف السيسي وحيدا بلا أي شعبية تذكر أمام الرفض الشعبي الواسع له ولنظامه وحكومته؛ فكلاهما (السيسي وقيس سعيد) اغتصب حكم بلاده  بانقلاب ومؤامرات وتسببا في كوارث اقتصادية ومالية واجتماعية كبرى لكلا البلدين، وتسببا في إفقار ملايين المصريين والتونسيين، وكلاهما يعتمد اعتمادا كليا على القروض والمساعدات الدولية.

إزاء هذه الأوضاع المتردية في البلدين بسبب فشل السياسات أولا ثم بسبب تداعيات تفشي جائحة كورونا ثانيا، ثم تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا ثالثا؛ لا يجد كلاهما الدعم والمساندة إلا من الآخر؛ لهذا ذهب مصطفى مدبولي لينقل لقيس سعيد دعم السيسي المطلق لجميع الخطوات الانقلابية التي يتخذها منفردا بعدما احتكر جميع سلطات الدولة وحل الحكومة والبرلمان المنتخب، هيمن على السلطة القضائية مدعوما من الجيش والشرطة. فقد جدّد مدبولي تأكيد "دعم مصر الكامل لتونس في هذا الظرف التاريخي ووقوفها التام إلى جانبها في كل الخطوات التي يتم اتخاذها". وتوجه بالشكر لتونس على موقفها في ملف سد النهضة.

إزاء ذلك من المتوقع خلال المرحلة المقبلة أن يشرع قيس سعيد في تصعيد الصراع الداخلي باعتقال قيادات إسلامية كما فعل قبل أيام من حمادي الجبالي، لا سيما في أعقاب تهديدات سعيد بعد تشكيل جبهة الخلاص التونسية التي تضم أطيافا واسعة من كل التونسيين تستهدف التصدي لمؤامرة الانقلاب وتحرير تونس من المافيا الحاكمة التي لا يظهر منها سوى قيس سعيد بينما يدعمه أركان الدولة العميقة التي تمثل أركان النظام السابق الذي ثار عليه التونسيون قبل عشر سنوات.

تقف الدولة العميقة في تونس خلف الرئيس هي التي تمنحه القوة والقدرة لاستكمال مخطط الانقلاب واحتكار السلطة على النحو الذي جرى؛ هذه الدولة العميقة تتكون من (قيادات الجيش والشرطة والمخابرات وبعض رجال الأعمال والإعلام) مدعومون من الحكومة الفرنسية ويمثلون طابورا خامسا لفرنسا في تونس، كما تدعمهم حكومات خليجية كأبو ظبي والرياض والقاهرة.

اليوم تتواري هذه الدولة العميقة خلف الرئيس، لكن الفشل المحتم لمشروع قيس سعيد سوف يدفع هذه الدولة العميقة للتدخل في لحظة معينة تحت لافتة إنقاذ البلاد؛ ليهيمن الجيش والشرطة والمخابرات على حكم البلاد بشكل سافر بينما يحكمون اليوم من وراء ستار، وتحت لافتة الإنقاذ الخادعة قد يجد هذا الانقلاب العسكري على الانقلاب المدني الذي قاده الرئيس مساندة شعبية واسعة في ظل تردي الأوضاع وتدهورها وسيطرة هؤلاء على الإعلام المحلي ومفاصل الاقتصادي الكبرى في البلاد؛  فيكون الانقلاب الثاني أكثر وحشية وطغيانا من الانقلاب الأول الذي قاده الرئيس على الثورة والنظام الديمقراطي. على الأرجح لن يكون ذلك إلا بعد استكمال المخطط بسحق الإسلاميين؛ والزج بهم في السجون بتهم ملفقة؛ قد يكون بدايتها محاولة اغتيال فاشلة ضد الرئيس كما فعل دكتاتور مصر السابق  جمال عبدالناصر، لكن ما يحول دون تنفيذ باقي المخطط الشيطاني هو تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية؛ وتآكل شعبية قيس سعيد إلى الحضيض فمشروعه هو بالأساس مشروع الدولة العميقة التي قد تحكم بشكل سافر بعد سقوط الرئيس أو تبحث عن غطاء مدني  آخر يتمكنون من خلاله من حكم البلاد من وراء ستار.