أحمدي البنهاوي
في الوقت الذي تجزم فيه روسيا بأن "الليبيين يجب أن يصلوا إلى توافق حول مشاركته (حفتر) في قيادة البلاد الجديدة"، يترأس الفريق محمود حجازي، رئيس أركان القوات المسلحة، ثاني اجتماع ليبي خلال شهر في القاهرة؛ بزعم "ضرورة تكثيف الجهود الرامية إلى تحقيق التوافق السياسى والسلمي في ليبيا، وبما يحقق سلامة ووحدة أراضيها".
تزامُن الاجتماع مع التصريح الروسي يعطي انطباعا بأن روسيا أو "دولة المهام القذرة" الجديدة في المنطقة، راضية بشكل تام عن دعم السيسي لــ"حفتر وعصابته"، ومساعدة "داعش" عن طريق أحمد قذاف الدم لاحتلال مدينة سرت وإشعال الفتنة الداخلية، واتخاذها ذريعة للتدخل العسكري، كما كشفت "نيويورك تايمز" عن شن الطائرات الأمريكية سلسلة هجمات جوية مساندة لحفتر في السماء الليبية، ثم اعتذر دبلوماسي أمريكي عن خطأ التدخل في ليبيا لصالح الثورة الليبية.
لذلك استعاد نائب وزير الخارجية الروسي تصريحا شهيرا لقائد الانقلاب في مصر، في مارس الماضي، كما عنونت الصحف "السيسي: التدخل العسكري في ليبيا محفوف بالمخاطر وأنصح الليبيين بدعم حفتر".
حيث أعلنت روسيا، اليوم الثلاثاء، عن دعمها لمشاركة خليفة حفتر، قائد القوات المنبثقة عن مجلس نواب طبرق (شرقي ليبيا)، في إدارة البلاد، معتبرةً أنه "يحارب بنشاط تنظيم داعش الإرهابي". وقال غينادي غاتيلوف، نائب وزير الخارجية الروسي، في حديث لوكالة "بلومبرغ": إن "حفتر يجب أن يشارك في إدارة ليبيا".
رجل موسكو
واستعرض المحلل السياسي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ماتيا توالدو، في مقال نشره مركز كارنيغي للشرق الأوسط، الدور الروسي في ليبيا، معتبرا أنها "التحقت خلسة، منذ صيف 2016، بالنزاع الدائر في ليبيا، بعدما كانت قد نأت بنفسها عنه في العام 2011، مع انهيار آمالها إثر عجزها عن حماية عقود بقيمة عشرة مليارات دولار كانت قد وقّعتها مع نظام القذافي".
كما يشير إلى عدد من المصادر التي أكدت أن مستشارين عسكريين روس يقدّمون المساعدة إلى حفتر انطلاقًا من برقة أو القاهرة، ويرى في هذه المعطيات، إلى جانب التقارير، قيام عبد الباسط البدري، الوسيط في فريق حفتر وسفير ليبيا لدى السعودية، بطلب أسلحة صغيرة وطائرات، في سبتمبر الماضي.
ووصْف "توالدو" حفتر بـ"رجل موسكو في ليبيا"، يشير إلى أمثلة التعاون الروسي مع سلطة شرق ليبيا، ومنها ما حدث في مايو الماضي، عندما تولّى حاكم البنك المركزي في الشرق إدارة عملية شحن أربعة مليارات دينار ليبي (2.9 مليارَي دولار) من غوزناك، المؤسسة الرسمية لسك العملة التابعة للكرملين.
وأضاف أن روسيا تعرضت للانتقادات من الدول الغربية، غير أن هذه الأخيرة رضخت للأمر عندما أدركت أنه ليس بمقدورها وقف شحن الأموال، فتلقّفت روسيا رسالةً مفادها أن السلوك الأحادي في ليبيا لن تكون له تداعيات في الوقت الراهن، وتوطّدت هذه العلاقة بين موسكو وشرق ليبيا، وفق المقال، خلال شهرَي يونيو ويوليو، مع توجّه حفتر أولا ثم عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، إلى موسكو لأول مرة؛ لـ"إبرام صفقة سلاح مع الكرملين للحصول على أسلحة برية وجوية أكثر تطورًا من تلك التي ترسلها إليه حاليًا مصر والإمارات"، في الوقت الذي كان السفير الروسي لدى ليبيا، إيفان مولوتوف، يصرّ فيه على أنه لا يجوز تسليم أية أسلحة إلى ليبيا قبل قيام مجلس الأمن الدولي أولا برفع حظر الأسلحة.
دعم السيسي
ولا يُخفي المنقلب تلويحه بين الفينة والأخرى بالتدخل العسكري في ليبيا، مدعيا أنه "ينطوي على مخاطر جمة، مضيفا أن الأفضل للقوى الخارجية أن تدعم قائد الجيش المتمركز في شرق البلاد، وفق ما نقلته وكالة الأنباء رويترز.
ووجه السيسي بدعم خليفة حفتر، قائد ما يمسى بـ"الجيش الوطني الليبي"، كما يؤدي هو نفسه ذلك الدور، الموالي للحكومة الليبية المعترف بها دوليا، وقال: إنه إذا ما تم تقديم السلاح والدعم للجيش الوطني الليبي، فإن بإمكانه القيام بالمهمة أفضل من أي جهة أخرى، وأفضل من التدخل الخارجي الذي قد يؤدي إلى خطر التورط في وضع قد يخرج عن السيطرة، وتعقبه تطورات لا يمكن التحكم فيها.
ويمد السيسي- بدعم إماراتي- حفتر و"جيشه" بالأسلحة والدعم العسكري، ويوفر قاعدة عسكرية جوية للطلعات المتكررة التي يستهدف بها مقاتلي الثورة الليبية، وفي 19 ديسمبر الجاري، افتتح السيسي ورئيس حكومته طريق (سيوة – الجغبوب) الذي يربط مصر بليبيا، بطول 90 كم، في وقت يتسول فيه السيسي احتياجاته البترولية.
تحضير الانقلاب
وأشارت وكالات الأنباء إلى أن ثاني اجتماع ليبي شهدته القاهرة وأعلن عنه اليوم الثلاثاء، لم يعلن فيه عن موعد الانعقاد أو مكان الاجتماع، كما أن محمود حجازى، المكلف بالملف الليبي من قيادة الانقلاب في مصر، اجتمع بإعلاميين وحقوقيين ونشطاء ومثقفين وقادة رأى ليبيين (لم يسمهم)، بحضور قيادات عسكرية، منها مساعد وزير الدفاع المصري للعلاقات الخارجية اللواء أركان حرب محمد الكشكي، والسفير المصرى فى ليبيا محمد أبو بكر، وهو ما يعطي قلقا لتزامنه مع تصريحات الدبلوماسي الروسي، فضلا أن المجتمعين سجلوا ملاحظات بشأن دعمهم لما جاء في بيان الاجتماع الأول، الذي انعقد يومى 12 و13 ديسمبر الجاري، ولكنهم لم يذكروها.
وشارك في الاجتماع الليبي الأول في القاهرة، نائب رئيس مجلس النواب في طبرق (شرق) محمد شعيب، و11 نائبا من مؤيدي ومعارضي الاتفاق السياسي، وعدد من سفراء ليبيا، وشيوخ قبائل، بالإضافة إلى سياسيين مستقلين.
من جانبها، اتهمت جهات في طرابلس ومدن الغرب الليبي، اجتماع القاهرة بأنه ضم طرفا واحدا، ولم يشمل أطرافا مؤثرة في المنطقة الغربية، وخاصة المجلس العسكري لمدينة مصراتة أو من التيار الإسلامي.
الوضع الميداني
وتشتبك قوات حفتر بشكل يومي مع قوات يدعون أنها لداعش في بنغازي، وبدرجة أقل في درنة وسرت (شرق طرابلس)، فيما خاضت قوات البنيان المرصوص الموالية للمجلس الرئاسي في طرابلس.
وفي سبتمبر الماضي، استولت قوات حفتر على الموانئ النفطية (شمال وسط)، والتي كانت تحت سيطرة حرس المنشآت النفطية بقيادة إبراهيم جضران، الذي أعلن تأييده للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، بقيادة فائز سراج، ولم يعلن حفتر، حتى الآن اعترافه بحكومة الوفاق.