خبير اقتصادي عالمي يتوقع إفلاس مصر..والعاصمة الإدارية أهدرت على الميزانية العامة 170 مليار

- ‎فيبيانات وتصريحات

 

 

حذر الدكتور عبد الخالق فاروق، الخبير الاقتصادي المصري والمتخصص في إعداد موازنات الدول النامية، أن من يورط مصر في الديون أكثر من قدرتها على السداد، سيؤدي فعله حتما في المرحلة التالية إلى ما حدث في عهد الخديوي إسماعيل، حينما رهن أصول أمواله الشخصية وممتلكات الدولة، والتي من بينها أراضي مصر والسكك الحديدية والموانئ، لأصحاب الديون الأجانب.

وتابع فاروق، في حوار مع "العربي الجديد"

أن مشروع الموازنة العامة، لعام 2022- 2023، لا يختلف من حيث الجوهر والاتجاهات العامة عن السنوات السابقة، من حيث الاعتماد على سياسة الاقتراض، سواء تم ذلك من الداخل أو الخارج لتغطية العجز في الموازنة العامة، أو تحميل الفئات الفقيرة والطبقة الوسطى أعباء إضافية، سواء كانت أعباء الرسوم أو الضرائب وغيرهما من أشكال الجباية العامة المشروعة، وغير المشروعة، التي تُفرض عبر الالتفاف على القانون، الذي يحظر تحصيل أي ضرائب أو رسوم بدون نص قانوني.

 

أما الأمر الآخر ، فهو أنه لم يجر أي تغيير على فلسفة السياسة المالية، بالرغم من أنها وصلت خلال السنوات الماضية إلى طريق مسدود، حيث لا توجد مشروعات تُوجه للتنمية، بل تتوجه معظم النفقات لمشروعات البنية الأساسية، خاصة الطرق والكباري، والعاصمة الإدارية الجديدة، وهذه كلها مشروعات غير ذات جدوى اقتصادية في الأجل المتوسط، وبعضها في الأجل الطويل ليست لها ضرورة أو عوائد.

والأخطر من ذلك أن السياسة المالية توسعت في الخصخصة وبيع الأصول العامة، سواء كانت عبر وثيقة اسمها "وثيقة ملكية الدولة" أو غيرها، والتي لا تختلف في مضمونها عن غيرها، إلا في محاولة توفير غطاء قانوني أو فكري لعملية الخصخصة وبيع أصول الدولة، ولا سيما أن صدور القانون رقم 177 لسنة 2017 الخاص بـ"الصندوق السيادي" لمصر، جعل كل الأصول العامة تحت يد الجنرال عبد الفتاح السيسي، يتصرف فيها كيفما يشاء ودون معقب أو مراجعة قضائية، فالسياسة المالية هي من زاوية تذهب في اتجاه الإنفاق على مشروعات غير ذات جدوى اقتصادية، ومن ناحية أخرى الإيرادات العامة تزيد الأعباء على الفقراء، وتتجه نحو مزيد من الاقتراض وتحميل الأجيال الحاضرة والقادمة أعباء هائلة لا يستطيع الاقتصاد المصري الوفاء بسدادها.

وتعليقا على مخصصات الصحة والتعيم في الموازنة الحديدة، قال الخبير الاقتصادي "ما زالت نسب الإنفاق الموجهة للتعليم والصحة في الموازنة العامة أدنى من نصف النسبة المنصوص عليها في الدستور، والأخطر أن الجانب التقشفي تعلق بالحقوق المالية التي تخص الناس، حيث جمد النظام الأجور والمرتبات لمدة 5 سنوات".

وخلال هذه الفترة، ثبت بند الأجور على حاله، أو تحرك في حدود ضئيلة جدا، وهذه الحركة كانت عبارة عن مزايا لفئات اجتماعية أخرى، مثل الجيش والشرطة والقضاء، التي حصلت باستمرار على زيادات مالية، بالإضافة إلى المكتسبات العينية التي يحصلون عليها بالفعل.

 

مردفا ، لذلك نرى التقشف لدى الحكومة يطبق على المعلمين وباقي الموظفين، في الوقت الذي لم تتوقف فيه عن منح مزايا مستمرة في مرتبات ومعاشات "مؤسسات القوى" على حساب باقي الفئات الاجتماعية بالدولة.

وعلى الجانب الآخر، نجد إنفاقا سفيها ومؤذيا لمشاعر المصريين، مثل الصرف على الحفلات والاستقبالات والدعاية والإعلان، وهو جزء كاشف عن نمط تحيزات القائمين على السياسة المالية وتوجيه النفقات.

 

 

مقلب العاصمة الإدارية

 

واستنكر فاروق، سياسة السيسي في التعامل مع أراضي الدولة بما يحرم الميزانية العامة من إيرادات مليارية تكفي لتطوير كافة الخدمات وخلق رواج اقتصادي يغني عن الاقتراض والاستدانة، وحينما أصدر السيسي القرار الجمهوري رقم 57 لسنة 2016، وسيطر على 700 مليون متر مربع، بما يعادل 166 ألف فدان، لصالح إقامة العاصمة الإدارية الجديدة، وتجمع الشيخ محمد بن زايد، وأدخل تلك المساحة من الأرض بعد تقييمها في أصول شركة تابعة لجهاز الخدمة الوطنية، وهي أراض للدولة، دون أن يسدد أي مبالغ للميزانية العامة، لأن الأرض كلها ملكية عامة وغير تابعة للجيش، الذي يقتصر حقه الدستوري والقانوني في الحصول على الأراضي التي تستخدم في العمليات العسكرية فقط، وعندما يتخلى الجيش عن قطعة أرض، ويرغب في تحويلها لاستثمار عقاري، تصبح في هذه اللحظة ملكا للدولة والخزانة العامة.

 

وفقا لتحليل أسعار الأراضي في أقل التقديرات – 1000 جنيه للمتر- التي بيعت بها أراضي العاصمة الجديدة، فإن الموازنة العامة خسرت ما بين 170 مليار جنيه و140 مليارا، بعدما منحت الأرض لجهة لا تسدد قيمتها للدولة أو تتحمل عنها أي أعباء أو ضرائب، ولا رسوم على وارداتها، وهذا شكل من أشكال إهدار الموارد العامة.

وحول حجم الديون الكبيرة والاستمرار  في سياسات الاقتراض، قال  "من يورط مصر في الديون أكثر من قدرتها على السداد، فسيؤدي فعله حتما في المرحلة التالية، إلى ما حدث في عهد الخديوي إسماعيل، حينما رهن أصول أمواله الشخصية وممتلكات الدولة، والتي من بينها أراضي مصر والسكك الحديدية، والموانئ لأصحاب الديون الأجانب".

والنظام يقوم الآن بنفس الإجراء، من خلال قانون توريث الديون المصرية، حيث سيطرح جزء من هذه الديون للتداول في البورصات، وبالتالي تصبح سندات الدين، في مرحلة تالية مطلبا من أصحاب الدين بأن تتحول المؤسسات والمنشآت العامة إلى ضمانات للسندات، بما فيها هيئة قناة السويس وآبار البترول والغاز.

وهذه السياسات تضع مصر في مسار شديد الخطر، شديد الضرر، في المستقبل القريب، فمصر تقترب من حافة الإفلاس الفعلي، في خلال 4 إلى 5 سنوات، وها نحن نرى أن السعودية تفضل الآن تقديم القروض في شكل استثمارات، وكذلك فعلت الإمارات، حيث يفضلون شراء الأصول المصرية، سواء كانت منشآت صناعية، أو موانئ أو حقول بترول، وبذلك يتجه بنا النظام الآن إلى الجحيم.

 

وعن أوضاع الاقتصاد المصري، أوضح أن مصر تعيش  حالة ركود فعلا، يعبر عنه في قطاعات معينة، مثل القطاع العقاري، الذي لا توجد به الآن حالات شراء، صحيح هناك مضاربة على الأسعار، لكن هناك أيضا حالة ركود في الأسواق، فكثير من أصحاب المشروعات غير قادرين على التصرف في مشروعاتهم، ولعب سعر الصرف دورا في زيادة المشكلة، ولكن القوة الشرائية الضعيفة المتاحة للطبقة الوسطى ومعظم الناس، تسببت في حالة ركود بالأسواق، نحن ذاهبون إلى ما هو أخطر من ذلك، لحالة إفلاس مباشر، والكساد سيكون مصاحبا لحالة الإفلاس، فلن نستطيع أن بيع أو نشتري دون أن نبدأ في بيع أصول، وهو ما يفعله النظام حاليا ، نتجه إلى مصيبة كبرى يدفعنا إليها نظام السيسي بأقصى سرعة.

 

يشار إلى أن العديد من المؤسسات المالية الدولية حذرت من خطورة الأوضاع الاقتصادية بمصر، بعدما وصلت الديون إلى 410 مليار دولار وتبتلع فوائدها أكثر من 102% من إجمالي الدخل القومي، وإصرار السيسي على سياسة الإنفاق الكثيف في مشاريع البنية التحتية التي لا تدر دخلا على الاقتصاد ولا تخلق فرص عمل دائمة أو تزيد من التصدير لجلب عملات أجنبية لمصر.

ومن المؤشرات الدالة على قرب إفلاس مصر، هو مسارعة المستثمرين والحائزين للسندات المصرية المقومة بالدولار لبيعها بنصف ثمنها ، على الرغم من أنها تحقق لهم فوائد هي الأعلى عالميا، بنحو 7 إلى 8%.