شواهد على استمرار نقص العملات الأجنبية بالاقتصاد المصري

- ‎فيمقالات

رغم ما أعلنه البنك المركزي المصري مؤخرا من تحقيق الميزان الكلي للمدفوعات فائضاً، خلال العام المالي الأخير 2020/2021 والمنتهي بنهاية يونيو الماضي، مازالت هناك أزمة حادة بالعملات الأجنبية، أدت الي الاستمرار في الاقتراض الخارجي سواء من المؤسسات الدولية والإقليمية أو بطرح سندات خارجية، والتجهيز حاليا لطرح صكوك سيادية بالأسواق الدولية، إلى جانب تأجيل سداد أقساط الديون الخليجية.

وللتدليل على استمرار نقص العملات الأجنبية نذكر عددا من الشواهد منها:

أولاً- تراجع العملات الأجنبية داخل الاحتياطي رغم القروض:

إذا كان صحيحاً أن الميزان الكلي للمدفوعات قد حقق فائضاً، فمن الطبيعي أن أي اقتراض خارجي سيؤدي إلى زيادة بنفس المقدار أو أكثر، في الاحتياطي من العملات الأجنبية لدي البنك المركزي. لكنه حينما تطرح مصر سندات دولية بالخارج في شهر فبراير الماضي بقيمة 3.75 مليار دولار، في حين بلغت الزيادة في الاحتياطي من العملات الأجنبية خلال الشهر مائة مليون دولار فقط، فهذا يعني أن تلك الحصيلة اتجهت لتغطية نقص في العملة.

وتكرر ذلك في شهر سبتمبر الماضي والذي شهد طرح سندات خارجية بقيمة 3 مليارات دولار، بينما كانت الزيادة بالاحتياطيات خلال الشهر 153 مليون دولار فقط، كما تكرر في شهر أكتوبر الماضي حين أودعت السعودية 3 مليارات دولار بالبنك المركزي المصري، بينما بلغت الزيادة بالاحتياطيات خلال الشهر 24 مليون دولار فقط.

ويؤكد ذلك أيضاً المقارنة بين زيادة الدين الخارجي خلال النصف الأول من العام الحالي التي بلغت 8.664 مليار دولار، بينما كانت الزيادة بالاحتياطيات 521 مليون دولار فقط خلال تلك الفترة.

وبالمزيد من تحليل بيانات الاحتياطي من العملات الأجنبية خلال الشهور العشرة الأولي من العام الحالي، والتي زاد الاحتياطي خلالها بنحو 786 مليون دولار أي بمتوسط شهري 79 مليون دولار، كانت هناك مفاجأة، إذ إن الاحتياطي البالغ بنهاية أكتوبر 40.849 مليار دولار، يتكون من ثلاثة أقسام رئيسية هي: العملات الأجنبية وتمثل المكون الأكبر بقيمة 33.813 مليار دولار، والذهب 4.217 مليار دولار، ووحدات حقوق السحب الخاصة المتعلقة بصندوق النقد الدولي 2.826 مليار دولار.

ووجدنا أن أرصدة العملات الأجنبية انخفضت خلال الشهور العشرة بنحو 1.586 مليار دولار، كذلك انخفضت أرصدة الذهب بنحو 173 مليون دولار، بينما المكون الذي زاد هو وحدات حقوق السحب الخاصة بنحو 2.547 مليار دولار، بعدما أتاح الصندوق لأعضائه الاستفادة منها في شهر أغسطس الماضي لمواجهة تداعيات فيروس كورونا.

 

ثانياً – عجز صافي بالعملات الأجنبية بالبنوك التجارية:

حتى شهر يونيو الماضي كان هناك فائض صافي بالعملات الأجنبية بالبنوك التجارية بقيمة 1.724 مليار دولار، يمثل زيادة أصولها بالعملات الأجنبية عن قيمة التزاماتها بالعملات الأجنبية، لكنه في شهر يوليو الماضي تحول ذلك الفائض الي عجز بقيمة 1.632 مليار دولار، وفي أغسطس وحسب آخر بيانات منشورة زادت قيمة ذلك العجز بين صافي الأصول والخصوم الأجنبية الي 4.437 مليار دولار.. وذلك رغم توسع تلك البنوك التجارية في الاقتراض الخارجي، حيث زادت أرصدة قروضها الخارجية من 4.1 مليار دولار في يونيو 2017 الي 14.4 مليار دولار في يونيو 2021.

ورافق تحول صافي الفرق بين الأصول والخصوم من العملات الأجنبية إلى سالب بالبنوك التجارية، انخفاض صافي الفرق بين الأصول والخصوم من العملات الأجنبية بالبنك المركزي نفسه، خلال شهر أغسطس الماضي بنسبة 16% عما كان عليه بشهر يوليو الماضي.

وانعكس ذلك النقص بالعملات الأجنبية خاصة الدولار، على الإقراض بالعملات الأجنبية من خلال البنوك التجارية، والذي شهد انخفاضا في أغسطس الماضي عما كان عليه في نفس الشهر من العام الماضي، بل إن أرصدة تلك القروض في أغسطس تقل عما كانت عليه بنهاية السنوات الأربعة الأخيرة من عام 2017 وحتى 2020.

ولم يقتصر الأمر على تراجع القروض بالعملات الأجنبية بالبنوك التجارية، بل انخفضت أرصدة الودائع بالعملات الأجنبية بأغسطس عما كانت عليه بنفس الشهر من العام الماضي، بل إنها أقل كذلك مما كانت عليه بشهر يونيو من السنوات الثلاثة الأخيرة 2018 و2019 و2020.

وترتب علي ذلك تراجع نسبة الودائع بالعملات الأجنبية بالبنوك التجارية إلى إجمالي الودائع بها، الي 13.4 % بأغسطس الماضي مقابل نسبة 16 % بنفس الشهر من العام الماضي، وأقل مما كانت عليه في يونيو 2017 حين بلغت حوالي 28 %.

كما ترتب على ذلك انخفاض أرصدة البنوك التجارية بالخارج بأغسطس الماضي، عما كانت عليه بنفس الشهر من العام الماضي بنسبة 18%، كما أنها حاليا أقل ما كانت عليه بعامي 2019 و2020.

 

ثالثا – فائض غير حقيقي بميزان المدفوعات:

ذكر البنك المركزي أن الميزان الكلي للمدفوعات قد حقق فائضا بلغ 1.862 مليار دولار بالعام المالي الأخير 2020/2021، كفرق بين موارد النقد الأجنبي من تصدير وسياحة وتحويلات واستثمار وغير ذلك، وبين مدفوعات النقد الأجنبي من واردات وسياحة خارجة، ومدفوعات فوائد للاستثمارات الأجنبية بمصر وأقساط الدين الخارجي والاستثمارات الخارجة.

لكن البنك المركزي لم يوضح للمواطنين أن جانب الموارد قد تضمن قروضا خارجية بنحو 12.844 مليار دولار، واستثمارات حافظة للأجانب أي مشتريات أذون وسندات خزانة مصرية بقيمة 18.742 مليار دولار، والتي تعتبر دينا علي مصر ستدفعه عند حلول أجله بفوائده، أي بإجمالي 31.576 مليار دولار للقروض والحافظة، وبما يعني أنه باستبعاد تلك الديون فإن هناك عجزاً حقيقياً بالميزان الكلي للمدفوعات يبلغ 29.724 مليار دولار.

حيث شهد ذلك العام المالي أعلى قيمة للواردات السلعية بلغت حوالي 71 مليار دولار، ومدفوعات لفوائد الاستثمار الأجنبي بمصر بنحو 13 مليار دولار، وسداد أقساط قروض خارجية بحوالي 12 مليار دولار، وخروج استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 8.7 مليار دولار، وكلها مدفوعات مرشحة للتكرار خلال العام المالي الحالي بنفس القيمة أو أعلى.

الأمر الذي أدي بمجلس الوزراء المصري لتشكيل مجلس تنفيذي لإحلال الواردات وتعميق المنتج المحلي، في محاولة للحد من تزايد قيمة الواردات، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار العالمية للوقود والقمح وزيت الطعام والسكر ومنتجات الألبان والمعادن، وكلها سلع تستورد مصر منها كميات كبيرة، وكذلك استيراد مستلزمات استكمال العاصمة الإدارية الجديدة.

 

رابعاً- استمرار الاقتراض الخارجي:

لا يكاد يمر أسبوع دون أن تترد أنباء قروضا جديدة، حيث أعلن البنك الدولي مؤخرا عن

قرض بقيمة 360 مليون دولار لدعم الاقتصاد، بخلاف قرض لتطوير السكة الحديد بقيمة 362 مليون دولار، وأعلنت السعودية عن وديعة بقيمة 3 مليارات دولار بخلاف تجديد ودائع سابقة بقيمة 2.3 مليار دولار، وحصل البنك الأهلي على قرض بقيمة 200 مليون دولار وأعلن سعيه لاقتراض 1.5 مليار دولار بالعام القادم.

وأعلنت الشركة المصرية للاتصالات عن عقد اتفاق لقرض بقيمة نصف مليار دولار، كما تم الاتفاق على قرض بقيمة 50 مليون دولار من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وتسعد وزارة المالية لإصدار صكوك سيادية بالخارج، بعد سعيها لتمويل أخضر وإسلامي بقيمة ملياري دولار خلال الشهر الماضي، وهو ما يعني تجاوز قيمة القروض الخارجية ال 140 مليار دولار حاليا، مقابل 43.2 مليار دولار لرصيد القروض الخارجية مع تولي الجيش السلطة في يوليو 2013.

وقام البنك المركزي بالحفاظ على سعر فائدة مرتفع، لإغراء الأجانب لشراء أدوات الدين الحكومي من أذون وسندات خزانة ذات العائد الذي يتعدى 12%، رغم أضرار تلك الفائدة المرتفعة بأصحاب الشركات وبعجز الموازنة.

 لكن اتجاه الولايات المتحدة مؤخرًا لرفع سعر الفائدة سيترتب عليه خروج جانب من استثمارات الأجانب بالأسواق الناشئة ومنها مصر، وعندما يقول وزير المالية أن سعر الفائدة المصري المعدل بالتضخم، يجعل وضع مصر أفضل من غيرها من الأسواق الناشئة، فإنه ينسى أن معدلات التضخم قد ارتفعت مؤخرا لتصل إلى 8 % بشهر سبتمبر الماضي، بينما سعر الفائدة 8.25 %، ولهذا فإن ارتفاع التضخم المتوقع خلال شهر أكتوبر الماضي والذي لم يُعلن بعد، سيجعل التضخم أعلي من سعر الفائدة.

أي أن العائد سيكون سلبيا، وبما يؤدي لتأثر مصر بخروج جزء من الأجانب من الأسواق الناشئة، وهو ما سينعكس على انخفاض قيمة مشتريات الأجانب لأدوات الدين الحكومي، وبالتالي على أرصدة موارد النقد الأجنبي، لتستمر مشكلة نقص العملات الأجنبية.

………….

نقلا عن "الجزيرة مباشر"