لماذا لا تقبل المرأة التعدد؟!

- ‎فيمقالات

سؤال ماكر، قرأته هذا الأسبوع أكثر من مرّة، طرحه نفرٌ من مؤيدى فكرة التعدد، ينكرون على المرأة عدم رضاها بالفكرة، متهمين إياها تهمًا خطيرة، وللإجابة عن هذا السؤال نقول بحول الله: إذا كان الله (عز وجل) قد شرع التعدد فى كتابه العزيز، بصورة واضحة لا غموض فيها (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ…) [النساء: 3]؛ فلماذا ترفض النساء التعدد ويعتبرنه كارثة؟! هل هو رفض لشرع الله، أم عدم فهم لقواعد الدين، أم أعراف مجتمعية وأفكار عصرية ألقت فى مسامع المرأة معتقدات جعلتها منصرفة عما قاله الشرع لاهثة وراء من ينادى بمساواتها بالرجل والمحافظة على ما حصلت عليه من مكاسب فى السنوات الأخيرة؟

في الحقيقة رفضُ المرأة للتعدد ليس رفضًا للشرع، وحاش لأمهات المؤمنين اللاتى أزعجهن هذا الأمر أن يرفضن الشرع، إنما هى طبيعة المرأة وما جُبلت عليه من الغيرة من بنات جنسها، يقول النبى ﷺ: «إن الله كتب الغيرة على النساء، فمن صبر منهن كان لها أجر شهيد» [البزار]. والدليل على ما نقـول، أن المـرأة إن اضطُرت إلى التعدد قبلت به، بل تسعى -فى كثير من الأحيان- كى تكون زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة. إن الزوجة الأولى هى التى تعارض -دائمًا- فكرة التعدد، ليس لرفض الشرع، ولا لجهل بقواعد الدين، وإنما تفعل ذلك دفاعًا عن مصالحها ولو أضر ذلك بمصالح غيرها! إنها تحب أن تكون هى وحدها محور اهتمام الزوج فلا ينظر لغيرها، ولا يفكر فى أخرى سواها، إنها تخشى غيابه عنها، وتخشى الأخرى التى سوف تقاسمها العيش والإنفاق.

وهى تشعر بالنقص وتفقد الثقة بنفسها إن انصرف عنها زوجها إلى زوجة ثانية، ففى رأيها أن زوجها ما انصرف عنها إلا لأنه زهدها وأحبَّ (الجديدة)، وتنعكس عدم ثقتها بنفسها سلبًا على ثقتها فيه، وعلى ثقتها فيمن حولها، فإن ما فعله -فى نظرها- خيانة؛ وأى خيانة، وربما كان الزوج أحب أهل الأرض إليها، فلما علمت أنه تزوج تغير لها وجه الأرض، وانصرفت عنه طالبة الطلاق غير متأسفة على الماضى الذى كان بينهما أو الحب الذى ما زال ينبض فى قلبها، مرددة قول الشاعر: و(لا خيرَ فى خلٍّ يخونُ خليلَه… ويلقاهُ من بعدِ المودةِ بالجفا؛ وينكرُ عيشًا قد تقادمَ عهدُه… ويُظهرُ سرًّا كان بالأمسِ قد خَفَا).

إن التعدد -فى نظر الزوجة- سلبٌ بعد غنى، ومنعٌ بعد عطاء، إنها ترى كرامتها مهدرة، وبالتالى فإنها لم تعد جديرة لذلك (الشخص) الذى باعها من أجل (واحدة!) لا ترقى -من وجهة نظرها- إلى مستواها بأى حال!! وتزداد المشكلة عند من لديهن حب التملُّك، التى ظنت أنها (سجلت) الزوج ضمن مقتنياتها، فهى تتعامل معه بمنطق (هذا لى وحدى)، وتقع ضحية الاستفزاز المزمن إن رأت أخرى تشاركها زوجها الذى (وضعت يدها) عليه منذ زمن!! إن أكثر ما يحزن المرأة فى هذا الأمر، هو كلام الناس عنها، وشماتة بعضهم فيها، كما يحزنها أنها سوف تصبح (درجة ثانية!)، خصوصًا إذا كانت الزوجة الثانية هى الأجمل أو الأصغر. ومما لا شك فيه أن الاستغلال السيئ للتعدد من قِبل بعض الأزواج، قد أقنع الزوجات بأن العدل بعيد المنال، وأن التعدد يعنى الظلم وسوء المعاملة، كما أنها تخشى الغيرة التى لو سّلِمتْ هى منها لسلمت منها زوجات النبى ﷺ، أمهات المؤمنين. وإذا كان الزوج -كما تقول إحداهن- لا يكفينى وحدى ولا يعطينى حقى كاملًا فى العاطفة والمعاش؛ فماذا سيفعل إذا أُضيفت إليه أعباء البيت الثانى والزوجة الضرّة، ومن أين سيأتى بالوقت والجهد ليتابع الأبناء الذين أصبحت تربيتهم بالغة الصعوبة، أم أنه سيتركهم جوعى بلا رعاية فيأثم؟

إن التعدد -من وجهة نظر النساء- فيه تقصير عن التحقق بكمال العشرة بالمعروف التى من فضائلها الإحسان والوفاء للزوجة التى بينها وبين الزوج ميثاق غليظ، وأنه -أى التعدد- شُرع لمعنى راقٍ وليس تصريحًا للزوج بالتنقل بين النساء مغلِّفًا مصلحته الشخصية بغلاف الدين. هذا رأيهنّ على أى حال. أما الشرع فله رأى آخر، نعرض له فى مقالات أخرى لتغطية كل ما يدور حول هذه القضية من تساؤلات، إن كان فى العمر بقية.