التعويل على المشكلات الاقتصادية لحدوث التغيير بمصر غير كاف

- ‎فيمقالات

يعول الكثيرون على أن تتسبب المشكلات الاقتصادية المتعددة التي يعاني منها الاقتصاد المصري حاليا في التعجيل بسقوط النظام الحاكم، مع تنوع تلك المشكلات ما بين عجز حقيقي في الميزان الكلي للمدفوعات، تسبب في استمرار الاقتراض الخارجي، ونقص في الموارد الدولارية انعكس على الخفض المتتالي لسعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، وعجز مستمر في الموازنة العامة للدولة، يدفع للاستمرار في الدين الداخلي، ويقلل من الإنفاق على الاستثمارات الحكومية وغيرها من أوجه الإنفاق، وفجوة بين الادخار والاستثمار، وتضييق على القطاع الخاص، وهيمنة لاستثمارات الجهات العامة بما يقلل الاستثمارات الخاصة، ما ينعكس في تريث قدوم الاستثمارات الخاصة العربية والأجنبية، بما يؤثر سلبا على التشغيل والبطالة وعلى توافر السلع والخدمات، مما يساهم في ارتفاع الأسعار واستمرار الركود في الأسواق.

ورغم أن مؤسسات التصنيف الدولية تدرك كل تلك المشكلات وغيرها بالتفصيل، فقد أبقت على درجة تصنيف مصر خلال الفترة الأخيرة، فيما عدا تعديل النظرة المستقبلية لدى وكالة موديز من مستقرة إلى سلبية، وهو ما قامت به وكالة فيتش أيضا مؤخرا، رغم قيام الوكالات الأمريكية الثلاث بخفض تصنيف كل من تونس ولبنان، إلى درجات متدنية عالية المخاطر لوجود مشاكل فيها تماثل المشكلات المصرية، إلا أن وكالة استاندر أند بورز قد بررت استمرار نفس تصنيفها لمصر بأنها ستجد من يساندها في الوقت المناسب!

وهذا هو مربط الفرس في هذا المقال، بأنه مهما واجه النظام المصري من مشكلات فإنه سيجد من يمد له يد العون في الوقت المناسب، سواء من الدول الخليجية أو الأوروبية أو الغربية وحتى الصين وروسيا بل ومن قطر، لأن لكل منها مصالحها التي تحققها من خلال استمرار النظام الحالي، كما أنه ترى أن تكلفة دعمه أقل كثيرا من تكلفة سقوطه بالنسبة لها.

مصالح مشتركة دافعة لاستمرار المساعدات

والشواهد متعددة في هذا الإطار منذ مجيء النظام في منتصف 2013 بدعم كل تلك الجهات السابقة له، وإذا كانت الدول الخليجية هي التي بادرت بتقديم المعونات السخية المالية والعينية، فإن تلك الدول لم تكن تستطيع القيام بذلك بدون رضا غربي، وهكذا نجد أن المساندة الخليجية قد تنوعت أشكالها بداية من المنح في البداية. ومع تراجع أسعار النفط منذ منتصف 2014 تحولت المساندة إلى الإمداد بالودائع الدولارية بدون فائدة، ثم إلى الودائع بفائدة محدودة ثم إلى الإقراض متوسط وطويل الأجل، ثم تجديد آجال سداد أقساط تلك القروض والودائع، ثم ضخ ودائع سخية مؤخرا، ثم الاستفادة من عرض النظام المصري استبدال تلك القروض والودائع بمشاركات في الشركات الحكومية المصرية.

وتظل حاجة دول الخليج للنظام المصري مستمرة، حتى لا يؤدى سقوطه لإ يقاظ مشاعر الأمل لدى شعوبها، وحتى تضمن إبعاد التيار الإسلامي عن مواقع السلطة باعتباره البديل الأكثر تنظيما للنظام الحالي بمصر، وهو الهدف الذي يجمعها مع باقي القوى سواء الأمريكية أو الأوروبية أو حتى الصين وروسيا رغم ما بين تلك الدول من خلافات، ولعل ما حدث في تونس والمغرب وباكستان خير شاهد.
كما توجد أهداف أخرى أوروبية يحققها النظام الحالي بمصر، منها منعه للهجرة إلى شواطئها بدون تكلفة كبيرة عليها، وحصوله على حصة جيدة من الصادرات الأوروبية السلعية والخدمية، ومشترياته من السلاح الأوروبي، والتي تضمن عدم توجيهه ضد إسرائيل في يوم من الأيام، في ظل العلاقات الجيدة التي تربط النظام بها، والتي ترتب عليها أننا لم نسمع يوما ما اعتراضا اسرائيليا على مشتريات مصر من السلاح الأوروبي.

 

إقراض متعدد المصادر والأشكال

وتتشابه الأمور مع الموقف الأمريكي من النظام المصري، بعد أن أصبحت المصالح هي التي تسير المواقف، وهو الأمر الذي امتد إلى باقي دول العالم الكبيرة والصغيرة، حتى تركيا وقطر والإدارة الحالية لكل من ماليزيا وباكستان باتت تبحث عن مصالحها، ولقد فطنت السلطات المصرية إلى حيوية كبر حجم وارداتها كوسيلة لاستقطاب تأييد دول العالم لها والضغط عليها. فراحت تحدد جهات قدوم تلك الواردات من خلال موافقة مسبقة لوزارة التجارة على الاستيراد من أية شركة في العالم، ثم عززت ذلك بضروة الموافقة المسبقة من قبل مصلحة الجمارك على أية شحنة قادمة من أي بلد قبل الشحن.

والنتيجة أنه مع استمرار مشكلة نقص العملات الأجنبية نتيجة زيادة المدفوعات عن الموارد، تدفقت القروض من كل الجهات سواء من الدول مباشرة أو من المؤسسات الدولية أو الإقليمية التي تتحكم فيها، مثل صندوق النقد والدولي والبنك الدولي، وحتى بنك التنمية الأفريقي الذي تستحوذ الدول الغربية على نصف حصص مساهماته.
وهكذا وحسب بيانات آذار/ مارس الماضي، بلغت قروض المؤسسات الدولية لمصر 35 مليار دولار، بواقع 23.3 مليار دولار من الصندوق و11.8 مليار دولار من البنك الدولي، ومن البنوك الإقليمية الأفريقية 7.8 مليار دولار، بواقع 5.1 مليار دولار من بنك التصدير والاستيراد الأفريقي و2.7 مليار من بنك التنمية الإفريقي، ومن البنوك الإقليمية الأوروبية 5.4 مليار دولار، ما بين 4.7 مليار دولار من بنك الاستثمار الأوروبي و655 مليون دولار من البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير.

ومن الصناديق والمؤسسات في المنطقة العربية 4.4 مليار دولار، ما بين 2.1 مليار من صندوق الإنماء العربي الاقتصادي و1.2 مليار دولار من صندوق النقد العربي، و1.1 مليار دولار من بنك التنمية الإسلامي في جدة، وذك بخلاف قروض وودائع دول الخليج الأربع (السعودية والإمارات والكويت وقطر) البالغة 35.2 مليار دولار، والتي لم تشمل قروضا من بنوك إماراتية لمصر لا يتم الإفصاح عن قيمتها.

أما عن قروض الدول الأجنبية فتشمل 7.4 مليار دولار من الصين، و3.2 مليار دولار من اليابان و2.5 مليار دولار من ألمانيا، بخلاف قروض من بنوك ألمانية، و1.5 مليار دولار من فرنسا ومليار دولار من روسيا، و786 مليونا من إنجلترا بخلاف قروض من بنوك بريطانية، حيث تتضمن بيانات القروض المصرية ما قيمته 12 مليار دولار من بنوك تابعة لدول أجنبية غربية لكن لا يتم الإفصاح عن تفاصيلها.
 

بيع حصص بالشركات مورد جيد

ومع إعلان السلطات المصرية عن توجهها لتحويل القروض إلى مساهمات في شركات حكومية رابحة، فإن هذا الأمر يضمن لها موردا متجددا في ظل كثرة تلك الجهات وكبر حجمها، حيث توجد 58 هيئة اقتصادية مملوكة للحكومة بلغت قيمة أصولها تريليونين و804 مليارات جنيه في نهاية حزيران/ يونيو 2021، بخلاف جهات أخرى مملوكة بالكامل للحكومة، وبخلاف حصص الحكومة بالشركات المشتركة أي التي تساهم فيها شركات الحكومة بنسب.

كذلك يتوقع قيام أحد البنوك الصينية واليابانية بإصدار سندات، لصالح الحكومة المصرية كما حدث من قبل مع أحد البنوك اليابانية، كما يتوقع شراء جهات خليجية لصكوك تمويل سيادية مصرية وفق الشريعة يجرى الإعداد لطرحها، كذلك العودة البطيئة للأموال الساخنة لشراء أدوات الدين الحكومي المصري بعد استقرار صرف الجنيه أمام الدولار، وبما يعني مساهمة كل تلك الموارد في علاج الفجوة الدولارية، إلى جانب إدخال سيارات المغتربين المصريين بدون جمارك ورسوم، مقابل إيداع قيمة تلك الرسوم بالدولار لمدة خمس سنوات بدون فوائد واستردادها بالجنيه، وكذلك بيع وحدات سكنية وأراض للأجانب والمصريين في الخارج بالدولار، وغير ذلك من وسائل لتغطية الاحتياطيات الدولارية الحكومية الشهرية شهرا بشهر، بحيث يستمر النظام مستمرا ومحافظا على مصالح كل تلك الجهات المساندة.

أما مسائل غياب حقوق الإنسان وقمع المعارضة وامتلاء السجون بالمعارضين منذ عدة سنوات، والقوانين المقيدة للحريات وحجب المواقع الإلكترونية وغيرها من ملامح غياب الديمقراطية، فإنها أمور تتغاضى عنها تلك الدول، بل إنها تمد النظام بالوسائل المتنوعة لقمع المتظاهرين السلميين.

……..

نقلا عن "عربي 21"