أثارت موافقة مجلس نواب السيسي على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد انتقادات الأوساط السياسية والحقوقية والإعلامية وغيرها، خاصة أن القانون يتضمن انتهاكات لحقوق الإنسان وكبت الحريات ويسمح باعتقال الأبرياء لمدد طويلة دون محاكمات ودون جرائم ارتكبوها.
بنود القانون الجديد خاصة مواد الحبس الاحتياطي والمواد المتعلقة بالمحامين وضمانات حق المتهم تمس مختلف الفئات والمهن، حيث يرى الصحفيون والمحامون أنه ممتلئ بالمواد المطاطة ويتضمن نصوصًا قابلة للتأويل .
وشددوا على ضرورة أن يحظى القانون بوقت وافر للمناقشة بين جميع فئات المجتمع قبل خروجه إلى النور، محذرين من انعكاساته الكارثية على كل المصريين وعلى الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية .
حقوق المجتمع
من جانبه قال محمود كامل، رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين: إن “قانون الإجراءات الجنائية يمس كل مواطن مصري وحقوقه، ولذلك يجب أن يخرج للنور بعد حدوث توافق بين أطياف المجتمع”.
وأضاف كامل، في تصريحات صحفية ، أن حذف مادة واحدة فقط من المواد المختلف عليها، أمر غير مقبول، ويجب أن يؤخذ في الاعتبار الملاحظات التي قدمها المحامون والصحفيون، وغيرهم من الفئات الأخرى بشأن هذا القانون الذي يحتوي على عوار كبير، لافتًا إلى أن هناك الكثير من الملاحظات التي تم تقديمها منها مواد الحبس الاحتياطي والمواد المتعلقة بالمحامين وضمانات حق المتهم، لأن كل هذه المواد بها مشاكل كبيرة.
وأشار إلى أن هناك فريق عمل يقوم حاليا بالعمل على التوصيات التي أصدرتها لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، وسيتم الانتهاء منها خلال يومين على الأكثر.
وأوضح كامل، أن لجنة الحريات ونقابة الصحفيين دورهم الدفاع عن حقوق المجتمع، وقانون الإجراءات الجنائية من صميم عمل اللجنة والنقابة، لأنه أحد أهم حقوق المواطن والمجتمع، مشددا على ضرورة أن يأخذ القانون مناقشات واسعة بين فئات المجتمع، وأن يكون هناك حوار مجتمعي واسع حوله، ويخرج بتوافق بين الجميع .
وطالب المشرع بأن يتسع صدره لسماع كل الآراء قبل صدور القانون، وإلا سينعكس ذلك بالسلب على الجميع محذرا من أن قانونا مثل هذا لا يحتمل وجود مواد بها نصوص قابلة للتأويل أو نصوص لمواد مطاطة.
وأعرب كامل عن أسفه لأن القانون بشكله الحالي ملئ بهذه المواد المطاطة.
تناقض واضح
وقال المحامي خالد علي، المرشح السابق للرئاسة: إن “مجلس نواب السيسي يعمل منذ أكثر من عام على صياغة هذا المشروع، ولم يطرحه على الرأي العام إلا منذ أسبوع واحد فقط، مؤكدا أن المشروع به عيوب كثيرة منها ما هو ظاهر وصارخ، ومنها ما هو خفي يتعلق بالغاية التي يستهدفها النص أو يخل بالتوازن المفترض عند تنظيم الإجراءات الجنائية بين أطرافها”.
وطالب علي، في تصريحات صحفية بأن يحظى المشروع بوقت وافر للمناقشة مؤكدا أن هناك تناقضا واضحا بين نص المادة 169 والمادة 170 من المشروع في شأن تنظيمها لاستئناف أوامر الحبس الاحتياطي ومده، والإفراج المؤقت موضحا أن المادة 169 تنص على أنه: “يتعين الفصل في استئناف أوامر الحبس الاحتياطي أو مده أو الإفراج المؤقت خلال 48 ساعة من تاريخ رفع الاستئناف وإلا وجب الإفراج عن المتهم إذا كان الاستئناف على قرار الإفراج المؤقت”، بينما تنص الفقرة الأخيرة من المادة 170 على: “وإذا لم يفصل في الاستئناف خلال ثلاثة أيام من تاريخ التقرير به وجب تنفيذ الأمر بالإفراج فورًا”.
وأشار علي إلى أن ذلك يستدعى توحيد المدة التي يجب فيها الإفراج عن المتهم حال عدم الفصل في الاستئناف إما خلال 48 ساعة من تاريخ التقرير بالاستئناف أو خلال 3 أيام من هذا التاريخ.
وأضاف أن الأوامر الجنائية قد تصدر من النيابة العامة أو القاضي، والمادة 331 من المشروع تنظم إشكالات تنفيذ تلك الأوامر، حيث نصت المادة على أن يقدم الإشكال في التنفيذ للقاضي الذي أصدره، ولم توضح المادة ما هي الجهة التي يقدم لها إشكال في التنفيذ إذا صدر الأمر الجنائي من النيابة العامة.
وأكمل علي، أن “المادة 16 تتيح القضاء بعقوبة مالية حتى عند انقضاء الدعوى الجنائية حتى لو كان انقضاء الدعوى بسبب موت المتهم، فالجريمة شخصية والعقوبة أيضا شخصية، بمعنى أن أي جريمة يرتكبها شخص يكون العقاب على هذا الشخص فقط، لكن كيف يكون المتهم قد توفي ومع ذلك تقضي المحكمة عليه بعقوبة مالية، أليس في ذلك خروجًا صارخًا على مبادىء التجريم والعقاب، متسائلا في هذه الحالة من الذي يقع عليه تنفيذه هذه العقوبة؟ خاصة إن لم يكن المتهم قد ترك أي أموال للورثة”.
حق المحامي
وانتقد المواد التي تنظم علاقة المحامين بجهات التحقيق، قائلا: إن “أخطر المواد الواردة في القانون تلك المواد التي تنظم علاقة المحامي بجهات الضبط والنيابة والمحكمة، فحقوق الدفاع لا ترتبط بضمانات ممارسة مهنة المحاماه فقط لكنها ترتبط بحقوق كافة المواطنين وما قد يُنسب إليهم من اتهامات، وما قد يتعرضوا إليه من إجراءات، ومن ثم يجب التعامل مع تلك الحقوق باعتبارها مرتكزا رئيسيا لتحقيق العدالة وتطبيق سيادة القانون، وبدونها تفقد المحاكمات جوهرها “.
وتابع علي: يجب أن يكون للمحامي حق الاطلاع على التحقيقات قبل استجواب المتهم دون أن يعلق ذلك على موافقة النيابة من عدمه، وحقه في الحصول على صورة من التحقيقات في أي مرحلة، وصورة كاملة من القضية عند احالتها للمحاكمة، ويجب ألا يتم فصل المتهم عن محاميه وينص فى القانون صراحة على حظر مناقشة النيابة للمتهم قبل بدء التحقيق، وعلى حق المتهم في استشارة محاميه قبل بدء التحقيق، وعلى حق المحامي في إبداء دفوعه وملاحظاته وطلباته وتسجيلها جميعها بمحضر التحقيق دون أن يعلق ذلك على موافقة النيابة.
وأكد أن هناك عيوبا أخرى في المواد 465 التي تتيح إلزام المحكوم عليه بعمل للمنفعة العامة لتحصيل المبالغ الناشئة عن الجريمة المقضي بها ضد مرتكب الجريمة، وذلك بتشغيله في عمل للمنفعة العامة باعتبار يوم واحد عن كل خمسين جنيها أوأقل، وهو ما ذهبت إليه أيضا المادة 462 من المشروع أن تعويض اليوم في الحبس الاحتياطي يوازي خمسين جنيها عند حساب الفارق بين الغرامة التي يسددها وحساب أيام الحبس الاحتياطي.
ولفت علي إلى أن المادة 472 من المشروع في شأن إبراء الذمة من الغرامة المحكوم بها أو المصاريف ورد التعويضات بتنفيذ الالتزام بعمل للمنفعة العامة، بما يوازي 50 جنيها أو أقل، وهو ما يتعارض مع الحد الأدنى للأجور الذي تحدد في فبراير 2024.
وختم علي، أن من ضمن المواد المختلف عليها، المواد من 517 حتى 522 والفقرة الأخيرة من المادة 526 بشأن حماية الشهود والمُبلغين، بالإضافة للمواد من 525 حتى 532 تنظم إجراءات التحقيق والمحاكمة عن بعد.