بسبب فساد المحليات…انهيار العقارات عرض مستمر في زمن الانقلاب

- ‎فيتقارير

 

خلال الأشهر القليلة الماضية، شهدت محافظات الجمهورية الكثير من حوادث انهيار العقارات التي أصبحت بمثابة كابوس يستيقظ عليه سكان هذه المباني، في ظل عدم قيام دولة العسكر بدورها، ممثلة في الأجهرة والجهات المعنية بجانب الفساد المستشري في المحليات. 

كان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، قد كشف أن عدد العقارات الآيلة للسقوط من دون أن يتخذ إجراء بشأنها يبلغ ٩٧٥٣٥ عقاراً موزعة على كافة أنحاء الجمهورية. 

وأكد جهاز الإحصاء في بيان رسمي لتعداد المنشآت أن محافظة الشرقية تصدرت قائمة العقارات الآيلة للسقوط بواقع ١١٤٣٠ عقاراً تمثل ١١.٧٪ من إجمالي العقارات الآيلة للسقوط، وتصنف هذه العقارات تحت بند «غير قابل للترميم ومطلوب الهدم»، تليها محافظة المنيا بإجمالي ١٠٤٢٤ عقاراً، ثم سوهاج بإجمالي ٧٣٧٠ عقاراً ثم الدقهلية بواقع ٧٠٩٥ مبنى. 

 

حوادث متكررة 

 

في هذا السياق، شهدت منطقة بولاق أبوالعلا بالقاهرة خلال شهر سبتمبر الجاري انهيار عقار قديم مكون من ٣ طوابق، وقبل هذه الواقعة انهار عقار من ٤ طوابق في شارع الباشا بمنطقة الترعة البولاقية بشبرا، وتم انتشال ٤ جثث بينهم طفلة من أسفل ركام العقار. 

يأتي هذا الحادث بعد أيام قليلة من انهيار عقار من ٤ طوابق بمنطقة الزيتون أسفر عن وفاة شخص وإصابة ٤ آخرين، وسبق ذلك انهيار عقار ثالث في منطقة «أرض الجولف» شرق القاهرة، ما تسبب في مقتل اثنين وإصابة 5 أشخاص. 

أيضًا انهار عقار من ٤ طوابق بمنطقة النزهة، وتسبب في مصرع رجل وسيدة وإصابة ٤ أشخاص. 

وفي الإسماعيلية وقع حادث انهيار العقار رقم ٢٥ بمنطقة الكوكاكولا ، وهو عقار خالٍ من السكان وصادر له قرار إزالة من لجنة المنشآت الآيلة للسقوط .

كما انهار منزل من ٥ طوابق في الساحل أول أغسطس الماضي، راح ضحيته ٤ مواطنين، وأشارت المعلومات الأولية إلى أن سبب انهيار العقار قيام ساكن بالطابق الأول بالعقار بأعمال مخالفة دون تصريح من الحي بهدم أحد الحوائط الداخلية الحاملة بغرض التوسعة، ما أثر على العقار وأدى إلى انهياره. 

وفي يونيو الماضي، انهار منزل قديم من ٥ طوابق في شارع النبي دانيال بمدينة «ميت غمر» محافظة الدقهلية، مما أودى بحياة طفل وإصابة سيدتين، ووقع الحادث بسبب ارتطام رافعة لنقل الأثاث المنزلي كان يستخدمها أحد سكان المنزل. 

 

خرائط عمرانية

 

حول هذه الكارثة قال الدكتور محمد ابراهيم جبر، أستاذ التخطيط العمراني بجامعة عين شمس: إن “انهيار العقارات ظاهرة مرتبطة بمجموعة عوامل، منها أن هناك الكثير من المناطق العشوائية تم بناؤها على الأحيزة الزراعية، ومعظم من قاموا بعملية التنفيذ مقاولون قطاع خاص، وليسوا بمتخصصين”. 

وحمل “جبر”، في تصريحات صحفية دولة العسكر المسئولية عن انهيار العقارات، بسبب عدم قيامها بدورها في الرقابة على المباني التي تم إنشاؤها بعيدًا عن أعينها خلال السنوات الماضية، بدون اشتراطات بيئية أو مخططات أو إشراف هندسي. 

وأكد أن تقلص الإشراف الهندسي أو غياب الدور الرقابي على بناء هذه المباني يعرض معظمها لمشكلات متعلقة بالتصميم الإنشائي وجودة التنفيذ وما إلى ذلك، موضحا أن هذا الأمر ساهم في تنامي العشوائيات بصورة كبيرة جدًا بعيدًا عن أي تصورات تخطيطية، لكنها مجرد «اجتهادات بشرية» بدون خبرة في هذا المجال. 

وأشار «جبر» إلى أن هناك نوعين من المباني ، منها المبنى الهيكلي مبني بالخرسانة، وهو النوع الذي قد يحدث به المشاكل وينهار بعد سنوات، لأن الناس لا تدرك آليات التعامل مع العمود الخرساني من الناحية الفنية أو التقنية. 

وطالب دولة العسكر بضرورة الإشراف والرقابة على ما يتم بناؤه في كل بقعة من بقاع الجمهورية، موضحا أن العقارات الموجودة في الوقت الراهن تحتاج إلى نوع من أنواع التوثيق من الجهات المعنية.

وأوضح «جبر». أن المصالحات على مخالفات البناء من شروطها تقديم مالك العقار تقريرا إنشائيا بحالة المبنى الإنشائية وتأثير التعديلات أو الإضافات عليه، مؤكدا أن المناطق العشوائية التي تم بناؤها بعيدًا عن أعين دولة العسكر ليست موثقة معماريًا أو إنشائيًا، ولا توجد أي معلومات عن شكل المبنى وإمكانيات تحمله وغيرها . 

وكشف أنه لا توجد خرائط عمرانية لمجمل عمران الدولة بالكامل، مشددا على ضرورة أن تتحرك دولة العسكر في شقين، الأول: تطبيق الرقابة على ما يتم بناؤه ، ومواجهة أخطاء المبانى القديمة من خلال ملف المصالحات .

وأكد  «جبر». أنه من الصعب السيطرة على مشاكل العمران دون وجود توثيق لعناصر الحيز العمراني في كافة ربوع الدولة؛ ووجود إشراف هندسي حقيقى قبل بناء أي عقار يتم تنفيذه. 

 

قرارات الإزالة

 

وقال الدكتور سامح العلايلي عميد كلية التخطيط العمراني السابق بجامعة القاهرة: إن “انهيار العقارات يتضمن نوعين من المباني، الأول: عقار قديم لم يتم عمل أي صيانة له نتيجة عدد من الأسباب منها الإيجار القديم ، والثاني: عقار جديد خارج الاشتراطات الهندسية”. 

وأوضح “العلايلي”، في تصريحات صحفية أنه عند الحصول على رخصة بناء لابد أن يقدم المالك عدة أوراق منها الاشتراطات، وأن تكون هناك مراقبة ومراجعة لعملية البناء، وهو ما لا يحدث في أغلب الأحيان، بما يسمح بوجود تعديات ومخالفات ينتج عنها سقوط المبنى في نهاية الأمر. 

وأكد أن غياب الرقابة على عمليات البناء وعدم الالتزام بالرخصة الصادرة ينتج عنه مبان غير مطابقة للمواصفات الهندسية وغير دقيقة. 

وطالب «العلايلي»، الإدارة المحلية وإدارة العمران المسئولة عن التراخيص ومراقبة عمليات البناء بالقيام بدورها، كما يجب أن يكون والحد من التجاوزات العمرانية، مشددا على أن إدارة العمران تحتاج إلى إعادة تنظيم، لأنها الجهة المسئولة عن منع هذه التجاوزات .

وشدد على ضرور تنفيذ قرارات الإزالة الصادرة بحق العقارات الآيلة للسقوط ، مع توفير سكن بديل لسكان هذه العقارات. 

 

مشكلة متراكمة

 

وأكد الدكتور عبدالله العريان، أستاذ بكلية التخطيط العمراني جامعة القاهرة، أن المبانى التي تم بناؤها بدون ترخيص معرضة لأي أزمة، لأنها مبان عشوائية ومشكلة متراكمة منذ سنوات طويلة، ولا تتحرك دولة العسكر إلا عندما ينهار العقار، مشددا على ضرورة  التحرك من اللحظات الأولى من البناء وهو بدون ترخيص، وأن يقوم مهندسو الأحياء بحالة تفتيش مستمر. 

وقال «العريان»، في تصريحات صحفية: إن “إنجلترا على سبيل المثال تقوم بإجراء تفتيشي،حيث يتم تقسيم كل حى لمناطق، وكل منطقة لها مهندس محدد خاص بها يقوم بمرور يومي، لحصر كافة أعمال البناء التي تتم سواء برخصة أو بغير رخصة ومخالف”.

وأشار إلى أن النظام العمراني في مصر يترك الأزمة حتى يكتمل البناء، وتكون الحلول متأخرة، مشددا على ضرورة إن تجرى للعقارات القديمة صيانة سنوية أو نصف سنوية ورقابة وتفتيش، فهناك حاجة لوجود مكتب داخل كل حي مسئول عن هذا الأمر. 

وشدد «العريان»، على ضرورة تقسيم الجمهورية إلى مناطق خطورة عالية ومتوسطة وضعيفة، ومعرفة نوع التربة، موضحا أن محافظة الإسكندرية على سبيل المثال هي تربة صخرية فخارية، وهناك مدينة أخرى تحت المحافظة مبنية منذ قديم الأزل، وبالتالي تشهد حوادث انهيار عقارات عديدة. 

وطالب بأن يكون هناك نظام إداري قوي من الأحياء والمحافظين لمواجهة التعديات ومخالفات العقارات، متسائلًا عن أسباب عدم تنفيذ قرارات الإزالة الصادرة بحق العقارات الآيلة للسقوط، والتي هي ضمن مهام الأحياء. 

ودعا «العريان» إلى وضع ملف العقارات في الحسبان للحد من الخسائر البشرية والمادية، وتنفيذ القرارات التي تصب في صالح الدولة وفي صالح المواطنين أيضًا.