الإقبال على المساجد في عهد السيسي “غير مسبوق”!.. قراءة في تصريح وزير أوقاف الانقلاب

- ‎فيتقارير

تصريحات وزير الأوقاف بحكومة الانقلاب مختار جمعة حول «الإقبال غير المسبوق في التاريخ على المساجد في عهد السيسي» تثير كثيرا من السخرية والأسى في ذات الوقت؛ ذلك أن الوزير يكذب على المصريين وهو يعلم أنهم يعرفون أنه يكذب، وأجهزة الدكتاتور عبدالفتاح السيسي الأمنية تعلم أن كبير كهنتهم ووزير أوقافهم يكذب؛ فلم تشهد مصر منذ أن فتحها الصحابي الجليل عمرو بن العاص سنة 21 هجرية (645م تقريبا) حربا على الإسلام ومساجد الإسلام كما جرى في عهد الدكتاتور عبدالفتاح السيسي، لدرجة أن مئات المساجد باتت لا تؤدي شعائر الله لعدم وجود مصلين. وكلنا نتذكر الإمام الذي جرى التنكيل به من الوزارة في محافظة مرسى مطروح عندما خرج ينادي على الناس ليتمكن من صلاة العشاء لعدم وجود مصلين! فهذا المشهد لم يحدث مطلقا إلا في عهد السيسي ونظام 3 يوليو العسكري.

وكان مختار جمعة أجرى مداخلة على برنامج «بالورقة والقلم»، المذاع على فضائية «ten»، مساء الأربعاء 23 نوفمبر 2022م، ادعى فيها أن "الفكر الوسطي (تفسير السلطة للإسلام) يسود المساجد بدعم من رئيسه عبد الفتاح السيسي"، الذي "يدعم عمارة المساجد وتجديد الخطاب الديني". مشيرا إلى أن "وزارة الأوقاف تنظم برامج للأطفال في المساجد ومقارئ القرآن بـ3600 مسجد بعد صلاة الجمعة"، وهذا كلام صحيح على الورق؛ لكن فعليا لا يوجد أي استجابة من جانب المواطنين لأنشطة الوزارة إلا في عدد محدود للغاية من المساجد.

النقطة الثانية التي سلط وزير أوقافهم الضوء عليها هي أموال الوقف  الإسلامي، حيث ذكر أن السيسي وجّه عدة وزارات بوضع جدول زمني للتصدي لمن تعدى على أموال الوقف، "باعتبار الدولة مؤتمنة على أموال الغلابة". تصريحات الوزير تأتي بعد ساعات من اجتماع السيسي الذي حضره واللواء محمد أمين مستشار رئيس الجمهورية للشؤون المالية، ومحمد عبد النبي مساعد وزير الأوقاف لشؤون هيئة الأوقاف. حيث صرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الانقلاب بأن الاجتماع تناول متابعة جهود إدارة أصول هيئة الأوقاف وتنميتها. بينما شدد قائد الانقلاب على الأهمية البالغة لأصول وأموال الوقف وما تمثله من خصوصية شديدة تستوجب ليس فقط الحفاظ عليها ولكن حسن إدارتها وتنميتها، والعمل الدؤوب على التحصيل الدقيق لمستحقات الأوقاف بالقيمة السوقية العادلة؛ صوناً للوقف.

كما وجّه السيسي بتضافر جهود كافة أجهزة الدولة المعنية لتسريع تنفيذ جميع الأحكام الصادرة لصالح هيئة الأوقاف، وسرعة الفصل في قضايا الوقف المتداولة حالياً في القضاء. وهي عبارات منمقة للتغطية على الهدف الحقيقي وهو التمهيد للسطو على ما تبقى من أصول وأموال الوقف الخيري الإسلامي.

النقطة الثالثة هي مزاعم الوزير الأمنجي حول دور مزعوم لجماعة الإخوان المسلمين بشأن دعوات التظاهر في 11/11 وأن هذه المظاهرات لم تلق استجابة في أي زاوية أو مسجد في البلاد! يقول مختار جمعة: «دعوات "جماعة الإخوان المسلمين" إلى الحراك في 11 نوفمبر، لم تلق أي استجابة في أي زاوية أو مسجد بالبلاد، قائلاً: "مفيش زاوية أو مسجد حدثت به مخالفة مع دعوات الجماعة الإرهابية في 11/11".  الوزير يوهمنا أن مساجد وزارته مفتوحة لحرية الرأي والتعبير وأن الإخوان حرضوا الناس في المساجد على التظاهر لكن الناس لم يستجيبوا!! وهذا كذب بواح لسببين: الأول أن الإخوان لم تتبن أصلا الدعوة لمظاهرات 11/11، ولا يوجد  بيان أو تصريح  رسمي  للجماعة يزعم أنها تتبنى الدعوة لهذه المظاهرات؛ كل ما فعلته الجماعة أنها راقبت المشهد من بعيد، دون تبني لهذه المظاهرات أو معارضة لها. السبب الثاني، أن المساجد كل المساجد على  مستوى الجمهورية  جرى تأميمها منذ سنوات الانقلاب الأولى؛ فلا يوجد مسجد واحد على مستوى الجمهورية يمكن أن يدعي الوزير أن للإخوان فيه نشاط دعوى أو غير دعوي؛ وإلا كان ذلك دليلا على تقصيره وإهماله ومدعاة للإطاحة به؛ فالوزير لم يبق على كرسي وزارته إلا لعدائه الشديد للإخوان وتطرفه في الولاء المطلق للسلطة العسكرية التي اغتصبت الحكم بانقلاب  عسكري.

 

حرب السيسي على المساجد

العجيب في تصريحات الوزير أنه يتجاهل الحرب التي شنها جنراله السيسي على المساجد منذ انقلاب 3 يوليو 2013م؛ حيث شاهد العالم كله كيف أحرق مسجد رابعة العدوية، وأحرق جثث الشهداء التي قنها على مدار يوم مذبحة 14 أغسطس، وهو المشهد الدموي الذي لم يكن ليحدث أبدا لو كان المسجد  كنيسة وكان الضحايا  يهودا أو نصارى. كما شاهد الناس كيف انتهك السيسي ومليشياته حرمة مسجد الفتح برمسيس والقائد إبراهيم بالإسكندرية.

وعلى مدار السنوات الماضية اقتحمت مليشيات السيسي الأمنية والعسكرية مئات المساجد واعتقلت الآلاف من العلماء والدعاة إلى الله، وعشرات الآلاف من المسلمين الداعين إلى تحكيم الشريعة الإسلامية والالتزام بالقيم والأحكام الإسلامية كنهج حياة. فعداء السيسي للمساجد بات لا يحتاج إلى دليل أو برهان؛ ويكفي آلاف المشاهد والصور ولقطات الفيديو التي جرى بثها ونشرها  خلال شهور سنة 2020م على مواقع التواصل الاجتماعي وفضائيات الخارج  لعشرات المساجد والمآذن التي دمرها السيسي والتي أصابت ملايين المسلمين في مصر والعالم بصدمة وغضب لا يعلم مداه إلا الله. ويكفي أن رئيس الانقلاب قد اعترف بشكل سافر بهدم نحو 35 مسجدا على طريق محور ترعة المحمودية الذي يربط محافظة البحيرة بالإسكندرية. وبرر السيسي هذه الخطيئة بأن هذه المساجد مخالفة وأقيمت على أرض الدولة. فلماذا لم يسع إلى تقنينها كما يفعل مع الكنائس المخالفة؟ فقد جرى سن قانون رقم 80 لسنة 2016  لتقنين الكنائس المخالفة وتم تشكيل لجنة لهذا الغرض في يناير 2017، برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية 6 وزراء، هم: الدفاع والإنتاج الحربي، الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، التنمية المحلية، الشؤون القانونية ومجلس النواب، العدل، والآثار، وممثل عن الطائفة المعنية، بالإضافة إلى ممثلين عن جهات سيادية، كل ذلك بهدف استرضاء الكنيسة والتظاهر أمام الغرب بأن مصر تشهد تسامحا دينيا غير مسبوق.

 وحتى يونيو 2014 بلغ عدد المساجد والزوايا التي صدر قرارات بإغلاقها في الإسكندرية وحدها 909 مساجد وزاوية بدعوى مخالفتها الشروط والضوابط المنصوص عليها في القانون. وفي يوليو 2016 وافق وزير الأوقاف محمد مختار جمعة على هدم 64 مسجدا على مستوى الجمهورية، لوقوعها ضمن نطاق توسعات مزلقانات هيئة السكك الحديدية، وفي مايو 2015 تعرضت خمسة مساجد للهدم في محافظة شمال سيناء بإشراف مباشر من الجيش، هي مساجد "الوالدين"، و"الفتاح"، و"النصر"، و"قباء"، و"قمبز". وسبق أن هدمت قوات الجيش مساجد أخرى في سيناء عبر قصفها بالطائرات المروحية -خصوصا في مدينتي رفح والشيخ زويد- بدعوى محاربة الإرهاب.

عداء السيسي للمساجد لم يتوقف على حصار مساجد مصر بل إنه طالب الدول الغربية بحصار المساجد في بلادها وذلك أثناء مشاركته في قمة ميونيخ للأمن التي انعقدت في ألمانيا في فبراير 2019م، حيث حرَّض الأوروبيين على مراقبة المساجد، وقال إنه دأب في لقاءاته مع المسؤولين الأوروبيين أو من أي دولة أخرى على حثهم على الانتباه لما ينشر في دور العبادة الخاصة بالمسلمين. وربط السيسي ذلك بالحرب على ما يسمى بالإرهاب، وهو ما يتسق مع تصورات السيسي المشوهة عن الإسلام والمساجد باعتبارها أوكار لتفريخ الإرهابيين وليست دور عبادة تسمو بالروح وتهذب السلوك.

ومنذ انقلاب العسكر الأول في 23 يوليو 2013م يتم استهداف كل العلماء والدعاة والشباب الذي يشاركون في أنشطة المساجد الدعوية والاجتماعية وحتى التعبدية؛ واليوم  يتم رصد أي شاب يصلي بانتظام في أي مسجد؛ ولا يسمح مطلقا   بأي نشاط دعوى  إلا عبر جهاز الأمن الوطني الذي يتحكم في جميع مساجد الجمهورية من الألف إلى الياء  بينما تبقى الكنائس تمارس طقوسها العبادية بكل حرية ودون أي تدخل من جانب النظام وأجهزته الأمنية.