تشهد تونس منذ فبراير 2023 حملة اعتقالات، شملت إعلاميين ونشطاء وقضاة ورجال أعمال وسياسيين، بينهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وعدد من قياداتها، وفي 24 يوليو الماضي أصدر القطب القضائي لمكافحة الإرهاب في تونس، مذكرة اعتقال بحق الأمين العام لحركة “النهضة” العجمي الوريمي.
كذلك أعلنت حركة النهضة الجمعة 13 سبتمبر، عبر بيان لها، أن سلطات الأمن اعتقلت العشرات من منتسبيها في مختلف أنحاء البلاد، وذلك قبيل الانتخابات الرئاسية المقررة الشهر المقبل.
مراسل “بوابة الحرية والعدالة” التقى د. رفيق عبد السلام وزير الخارجية التونسي السابق وأجرى معه الحوار التالي:
نحتاج منكم الوقوف على أسباب الاعتقالات، والتهم الموجهة، وعدد المعتقلين حتى الآن، ورد فعل حركة النهضة؟
من الواضح أن سلطة الانقلاب في تونس مرتبكة وعاجزة عن تقديم حلول لمشاكل البلاد، ولا تجد من سبيل سوى التمادي في الحل الأمني الذي تعودته الدكتاتوريات العربية من اعتقالات ومحاكمات سياسية، واستخدام البوليس وكل ذلك محاولة للتغطية على الأزمة الراهنة التي يتخبط فيها قيس سعيد وخوفه الشديد من الحراك الشعبي المتنامي ضد نظامه.
بدأت الحملة باعتقال عدد من الشخصيات السياسية المعارضة للانقلاب، ثم استدار قيس سعيد باتجاه قيادات حركة النهضة من الصف الأول وعلى رأسها راشد الغنوشي، ثم إغلاق مقرات حركة النهضة، ومن بعد ذلك اعتقال الأمين العام للحركة العجمي الوريمي وأخيرا حبس عدد من القيادات العليا والوسطى والكثير منهم متقدم في السن ومازال يعاني من مخلفات محنة الاعتقال في حقبة المخلوع زين الدين بن علي الكريهة.
وحول التهم الموجهة للمعتقلين فهي كالعادة التآمر على أمن الدولة واستخدام قانون الإرهاب ضدهم، علما وأن قيس يرى أي شكل من أشكال المعارضة لانقلابه يدخل ضمن شبكات المتآمرين والمندسين التي لا نهاية لها.
إلا أن رد حركة النهضة على السياسة القمعية فهو الصبر على الأذى والاعتصام بمنهجها السلمي، مع الإصرار على دحر الانقلاب عبر الإرادة الشعبية والعودة للشرعية الديمقراطية.
-نحتاج أن نطمئن على راشد الغنوشي داخل محبسه في ظل وضعه الصحي والعديد من التهم الملفقة التي تحاصره؟
يشار إلى أن راشد العنوشي رجل ثمانيني، ولعله يكون من أكبر سجناء الرأي في العالم إن لم يكن أكبرهم اليوم، وهو في كل الأحوال وفي مثل هذا السن يحتاج إلى الرعاية الصحية، ويظل السجن مؤسسة بشعة مهما كانت أوضاع السجين لأنه يَحرمُ الإنسان من أهم قيمة أخلاقية ووجودية زرعها الله فيه وهي الحرية والرغبة في التحرر، ومع ذلك يتابع الأستاذ راشد أوضاع البلاد والتطورات في المنطقة بما في ذلك العدوان على غزة من محبسه، كما أنه يوزع وقته ما بين العبادة والمطالعة والكتابة.
ويواجه الغنوشي قضايا عديدة والتهم لا حصر لها، وكلها من طبيعة سياسية ولذلك رفض حضور جلسات التحقيق لأنه يعرف أن كل التهم ملفقة وتنتفي بانتفاء سلطة الانقلاب.
-محكمة الجنح قضت بالسجن 3 سنوات بحقك والغنوشي، فيما يعرف بقضية التمويل الأجنبي.. فما هو تعليقك؟
هذه قضية من بين قضايا أخرى تمت محاكمتي فيها غيابيا مع الغنوشي، وهي قضية مفتعلة من أساسها ولا تصمد أمام أي قضاء حر ومستقل،
والمفارقة العجيبة أن التهمة هي تلقي أموال أجنبية مع زعم أنني دفعت مالا لشركات اجنبية، والسؤال هنا هل تلقيت تمويلا أم دفعت تمويلا اجنبيا؟.
هناك انتخابات رئاسية مزمع إجراؤها في تونس الشهر المقبل.. ما هي جديتها؟ ومن هم أبرز المرشحين فيها وفرص فوز قيس سعيد الرئيس الحالي؟
لقد تعودت تونس بعد الثورة على إجراء انتخابات حرة ونزيهة وفق مبدأ التداول السلمي على السلطة ولا يعرف فيها على وجه اليقين من هو الرئيس الذي سيفرزه الصندوق.
أما انتخابات اليوم فقد أفرغها قيس سعيد من محتواها، وقد تم تزييفها بنسبة 80% قبل أن تبدأ أصلا من خلال اعتقال المنافسين واستبعاد مرشحين باستخدام القضاء وتكييف القوانين على مقاسه وتجريد هيئة الانتخابات من استقلاليتها، لكن المؤكد أن قيس سعيد يواجه مأزقا كبيرا في هذه الانتخابات التي يريد أن يحولها الى مجرد مبايعة لانتزاع 5 سنوات حكم جديدة، وسبب هذا المأزق أنه أفلس شعبيا ولم يعد قادرا على المنافسة الجدية ولذلك لجأ إلى استبعاد كل المنافسين بقوة البوليس والحيل القانونية، وازداد مأزقه أكثر مع قرار المحكمة الادارية بحكم بات وغير قابل للتعقيب أًو الطعن، ثم بتفسير تفصيلي للقرار لاحقا يلزم الهيئة بقبول مرشحين أسقطتهم بتعليمات عليا.
قيس سعيد الآن أمام معادلة صعبة ومرة، وهي، إما أن ينهزم إذا قبل بقواعد اللعبة كما تريدها المحكمة الإدارية، أو أن يلجأ للتزييف وفي هذه الحالة لن يعترف له الداخل ولا الخارج بنتائج الانتخابات.
-من هو المسؤول عن تعكير صفو الحياة السياسية في البلاد؟ ولماذا تصر السلطة القائمة على سياسات الإقصاء وفرض القيود والتضييقات على المرشحين للانتخابات الرئاسية 2024؟
لا أحد يلام على هذا الوضع غير قيس سعيد نفسه الذي يحكم لوحده منذ خمس سنوات، منها ثلاث سنوات يحكم بسلطة مطلقة حيث جمع كل السلطات بين يديه وحولها إلى وظائف تابعة ومن دون أي ضوابط أو كوابح.
أما لماذا يصر على فرض القيود فلأنه بكل بساطة أفلس شعبيا ولم يعد قادرا على المنافسة بقوة الصندوق، ومن ثم شأنه في ذلك شأن المستبدين العرب لا يستطيع الاستمرار في الحكم من دون عنف وبلطجة ومحاكمات سياسية واعتقالات.
-فيما يخص الحرب على غزة.. ما هو حجم التعاطي التونسي على ما يحدث في فلسطين وخاصة في غزة؟ وما دور حركة النهضة في الدعم والمساندة؟
الشارع التونسي كما هو شأن الشارع العربي والإسلامي يتألم لما يجري في غزة وهو منحاز بالكامل لقضية فلسطين والقدس، ولكن اعتقال القيادات السياسية والاجتماعية وأجواء القمع لم تتح ترجمة هذا التعاطف الشعبي والتوجع على أهوال الجرائم الصهيونية إلى حركة احتجاجية واسعة، ولكن المؤكد أن قضية فلسطين حاضرة بقوة في قلوب ووجدان التونسيين ولا تعلوها أي قضية أخرى.