“استقالة أيمن سليمان: بين تعثر الخصخصة وضغوط الهيمنة العسكرية على الاقتصاد المصري”

- ‎فيتقارير

قامت وكالة الأخبار المحلية MENA LOCAL بنشر تحقيق حول أسباب استقالة أيمن سليمان ونشرته على موقعها على الإنترنت https://menalocal.com وورد فيه:

 

تم تداول خبر استقالة أيمن سليمان من رئاسة صندوق مصر السيادي في الآونة الأخيرة، حيث نقلت وكالة رويترز عن ثلاثة مصادر مطّلعة أن الاستقالة لم تكن برغبة سليمان نفسه، بل جاءت استجابة لرغبة الحكومة في تقديم وجوه جديدة داخل المؤسسات. وبناءً على هذه المعلومات، قامت وكالة MENA LOCAL بإجراء تحقيق شامل لفحص الأسباب الحقيقية وراء هذه الاستقالة.

الملف الشخصي لـ أيمن سليمان على مواقع التواصل الإجتماعي:

X: https://x.com/TheSoliman

LinkedIn: https://www.linkedin.com/in/thesoliman

أيمن محمد سليمان هو رجل اقتصادي منذ عام 1997، حيث شغل مناصب هامة، منها الرئيس التنفيذي لشركة جيميناي هولدنج منذ 2011، وقبل ذلك ترأس فريق التخطيط الاستراتيجي في أوراسكوم تيليكوم.

تولى أيضًا عدة مناصب في المجموعة المالية هيرميس، ويتمتع سليمان بعلاقات جيدة مع رجال الأعمال والمستثمرين العرب والأجانب، ويُعتبر من المقربين للنظام الحاكم.

تعيين أيمن سليمان مديرًا تنفيذيًا لصندوق مصر السيادي البالغ رأسماله 200 مليار جنيه لمدة ثلاث سنوات اعتبارًا من 3 أكتوبر 2019، وفق ما أعلنته وزارة التخطيط في بيان لها: https://2u.pw/sZ15sT19

 

 صندوق مصر السيادي

في تحقيق سابق للوكالة حول الأصول المصرية والصناديق السيادية، نشرنا أن عام 2018 شهد إصدار قانون رقم 177، الذي تلاه قرار رئيس الوزراء رقم 555 في فبراير 2019، لتأسيس “صندوق مصر السيادي”، الذي كان يُعرف سابقًا باسم “صندوق مصر”، برأس مال قدره 200 مليار جنيه ومحفظة استثمارية تقدر بنحو 12 مليار جنيه.

منذ إنشائه، تم نقل أصول وعقارات حكومية بقيمة 30 مليار جنيه إلى الصندوق. كما أدى تأسيس الصندوق إلى إنشاء أربعة صناديق فرعية برأسمال إجمالي بلغ 120 مليار جنيه، ومنح القانون الرئيس المصري صلاحية نقل ملكية الأصول العامة غير المستغلة أو المستغلة إلى الصندوق، مع إمكانية بيعها أو تأجيرها والاستفادة منها.

لاحقًا، تم تعديل القانون بموجب قانون رقم 197 لسنة 2020، ليصبح اسم الصندوق “صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية”. وخلال فترة قصيرة، استحوذ الصندوق على أصول وأراضٍ واسعة مملوكة للدولة، بما في ذلك 126 شركة تابعة لوزارة قطاع الأعمال. وفي العام ذاته، أصدر عبد الفتاح السيسي قرارًا بنقل ملكية عدة مبانٍ وعقارات تاريخية في وسط القاهرة إلى الصندوق، حيث بلغ إجمالي المساحة المنقولة نحو 190 فدانًا، أي ما يعادل 800 ألف متر مربع. تضمنت هذه الأصول مبنى مجمع التحرير، أضخم مجمع حكومي في مصر، والمقر القديم لوزارة الداخلية، بالإضافة إلى المقر السابق للحزب الوطني الذي تعرض للحريق أثناء ثورة 25 يناير 2011.

كما شمل القرار نقل أربعة مواقع أخرى في القاهرة وطنطا بمساحة إجمالية تبلغ 177 فدانًا.

https://linksshortcut.com/RVqRX

 

وبعد استحواذه على هذه الأصول، أصبح الصندوق أداة رئيسية لتنفيذ سياسات “وثيقة سياسة ملكية الدولة”، التي تحدد دور الدولة في الاقتصاد ومدى تدخلها في الأنشطة الاقتصادية. تم إطلاق هذه الوثيقة رسميًا في يونيو 2022، وحصلت على دعم من كريستالينا غورغييفا، المدير العام لصندوق النقد الدولي، في ديسمبر 2022. وفي تقرير سابق لوكالة MENA LOCAL، تم رصد وتتبع عمليات البيع والتخارج التي تمت في الأصول والشركات حتى الآن، مع توثيقها بالأرقام والجداول.

https://menalocal.com/?p=568

 

أسباب الاستقالة

وفقًا للتقارير الاقتصادية، يرى البعض أن استقالة أيمن سليمان جاءت نتيجة لرغبة الحكومة في تقديم وجوه جديدة. بينما يعزو بعض الخبراء الاستقالة إلى عدم تحقيق برنامج الخصخصة للأهداف المرجوة.

ويرى آخرون أن التعديلات الوزارية الأخيرة، التي شملت دمج بعض الوزارات، قد أدت إلى تداخل الملفات بين الجهات المختلفة، مما خلق حالة من الغموض حول كيفية إدارة الصندوق في المستقبل.

أشار الخبير الاقتصادي وائل النحاس إلى أن هذه التعديلات أسهمت في حدوث فوضى في إدارة الملفات.

بالمقابل، يعتبر الخبير الاقتصادي خالد الشافعي أن القول بأن الاستقالة جاءت نتيجة التعديلات الحكومية أو تداخل الملفات بين الوزارات غير منطقي. وأكد في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة” أن الصندوق السيادي لديه رؤية ونظام واضحين منذ تأسيسه، ويتمتع بصلاحيات كاملة وحرية في التعاون مع المستثمرين لتحقيق أهدافه. وفسر استقالة سليمان بأنها تعود لأسباب شخصية وليست نتيجة تدخلات خارجية أو تغييرات وزارية.

https://linksshortcut.com/NBSbS

https://linksshortcut.com/cjpPX

 

 

ومع ذلك، تكشف التقارير الإعلامية عن مؤشرات تشير إلى أن الاستقالة قد تكون مرتبطة بعدم نجاح المجموعة الاقتصادية في تقليص هيمنة القوات المسلحة على الاقتصاد المصري، وهي خطوة كان يطالب بها كل من صندوق النقد الدولي والمحور الخليجي الداعم للنظام المصري. فقد وَقّعت مصر في عام 2016 اتفاقًا مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار، وكان من بين شروط الصندوق تخارج المؤسسات الحكومية، بما في ذلك العسكرية، من الاقتصاد لصالح القطاع الخاص.

في تلك الفترة، تحدث السيسي عن طرح شركات الجيش في البورصة، ولكن لم تُتخذ إجراءات فعلية لتحقيق ذلك. ولإرضاء صندوق النقد، تم إنشاء الصندوق السيادي لتنظيم بيع الأصول. وأيضًا يتعين على الشركات المطروحة في البورصة الإفصاح الكامل عن جميع المعلومات المتعلقة بحجم أعمالها، وهو ما يتعارض مع نهج المؤسسة العسكرية التي تعتبر هذه المعلومات سرية.

رغم بعض التحركات الشكلية لبيع شركات عسكرية في عام 2020، إلا أن الصندوق السيادي لم يتمكن من ضم وبيع سوى الشركات المدنية التابعة للحكومة، في حين استمرت الشركات العسكرية في التوسع.

واستغلت المؤسسة العسكرية نفوذها الهائل للحصول على امتيازات مثل الإعفاءات الضريبية والجمارك والخدمات المجانية، مما أعاق القطاع الخاص.

وفي مواجهة الأزمة الاقتصادية التي اندلعت بعد هروب استثمارات كبيرة من البلاد في مارس 2022، لجأت مصر إلى صندوق النقد الدولي والدول الخليجية الثلاثة (السعودية وقطر والإمارات) للمساعدة. وكان أحد شروط الدعم الخليجي وصندوق النقد هو بيع الشركات التابعة للمؤسسة العسكرية.

 

https://n9.cl/dyg2c3

 

.رغم عقد السيسي اجتماعات لطرح شركات عسكرية في البورصة، إلا أن الصندوق السيادي واجه صعوبات في بيع هذه الشركات بعد تراجع القوات المسلحة عن فكرة البيع

https://2u.pw/GUKEeh1d

 

 

وقد واجه الصندوق السيادي صعوبات كبيرة في بيع شركات تابعة للجيش، رغم الاتفاقات المبدئية مع مستثمرين خليجيين، بسبب تراجع القوات المسلحة عن فكرة البيع، مما أدى إلى هدر الجهود والأموال، وهو ما لم يكن يتحمله رئيس الصندوق المستقيلوهو ما ذكره موقع “نون بوست” في مقالة الاقتصادي المنشورة بتاريخ 26 أغسطس 2024، بعنوان “المستقبل الغامض لصندوق مصر السيادي..الإصلاح المستحيل تحت مظلة الاقتصاد العسكري”: https://2u.pw/z0KJ8trp

 

وهناك أمثلة واضحة على تردد الجهات العسكرية في صفقات البيع، حيث تم الاتفاق بين صندوق مصر السيادي والصندوق القطري لاستثمار 2.5 مليار دولار في مصر من خلال شراء حصص في شركات حكومية، وكان الاستحواذ على حصة في شركة “فودافون مصر” على رأس أولويات الصندوق القطري، لكن الخلافات حول نسبة الحصة المراد بيعها أفشلت الصفقة بعد أكثر من عام ونصف من المفاوضات، بحسب تقرير “اقتصاد الشرق”: 

https://2u.pw/eMvytjPC

في سياق آخر، كانت شركة الاتصالات السعودية “STC” 

.”قد اقتربت من شراء حصة “المصرية للاتصالات” مقابل 2.4 مليار دولار، لكن المحادثات انتهت دون اتفاق في يناير 2020

 

.تسيطر المصرية للاتصالات على خدمات الاتصالات والإنترنت في مصر، وهي قطاع ذو أهمية استراتيجية للمؤسسة العسكرية، التي تبدو مترددة في التخلي عن حصتها فيه

.وحتى إن وافقت على البيع، فهي تميل إلى بيع حصة صغيرة لا في منح المستثمر السيطرة على القرارات الاستراتيجية أو النفوذ في القطاع

 

.نتيجة لهذه الترددات، لم ينجح الصندوق حتى الآن في نقل الأصول العسكرية إلى صندوق مصر السيادي بشكل مشابه لما حدث مع الشركات الحكومية المدنية

.ورغم نجاح الصندوق في بيع عشرات الشركات الحكومية للمستثمرين، لم يستطع الصندوق حتى الآن بيع أي من الشركات العسكرية

منذ أكثر من عامين، كانت المفاوضات جارية لبيع شركة “الوطنية” للمنتجات البترولية، لكن الصفقة مع الجانب الإماراتي فشلت بسبب خلافات حول التقييم الماليّ، وكذلك انتظار الإمارات لتحرك سياسي من “مستوى أعلى”، وفقًا لموقع “الطاقة”. بعد رفض السعر من قبل الشركة الإماراتية، عُرضت الصفقة على قطر للطاقة، لكن الأخيرة لم تُبدِ اهتمامًا كبيرًا.

https://linksshortcut.com/YdJDX

 

.وفي أكتوبر 2023، أعلنت هالة السعيد، رئيسة صندوق مصر السيادي، أن بيع “الوطنية” سيتم خلال 6 أسابيع، لكن بعد 4 أشهر، أشارت تقارير إلى انسحاب شركة أدنوكالإماراتية من الصفقة

.وفقًا لموقع “المنصة”، كان السبب وراء انسحاب “أدنوك” هو عدم كفاية وثائق ملكية الشركة وغياب مستندات تثبت سداد الضرائب، إلى جانب عدم إعادة هيكلة الشركة بشكل مناسب يجعلها جاهزة للبيع

حتى رحيل هالة السعيد في التعديل الوزاري الأخير في يوليو الماضي، لم تُطرح شركة “الوطنية” ضمن الطروحات الحكومية أو للاستثمار في البورصة.

وبعد رحيلها، غادر أيضًا أيمن سليمان المدير التنفيذي للصندوق، دون أن ينجح الصندوق في بيع أي شركة تابعة للقوات المسلحة.

https://manassa.news/news/16283

وفي ظل هذا الفشل في إدراج شركات الجيش للسياسات الاقتصادية، كانت المؤسسة العسكرية على الجانب الآخر تزيد من توغلها في الاقتصاد المصري فحسب دراسة لمعهد “carnegieendowment” منشورة بتاريخ 8 مايو 2023، بعنوان “تقييم سياسة ملكية الدولة في مصر: بين التحديات والمقتضيات” والتي ذكرت:

بغضّ النظر عن الميزات التي تتمتع بها المؤسسة العسكرية في القطاعات الاستراتيجية، يتعيّن عليها في المبدأ تخفيض حصصها أو القيام بالتجريد (أي بيع حصصها أو تصفيتها)، تماشيًا مع خطط الدولة الرامية إلى التخارج من القطاعات غير الاستراتيجية، سواء بشكلٍ كلّيّ أو جزئيّ. لكن ما من مؤشرات على أن ذلك سيحدث فعلًا، إذ لم يظهر حتى الآن تخفيض لحضور المؤسسة العسكرية في القطاعات التي تَقَرَّر تخارج الدولة الكامل منها (ومن بينها قطاعات استيراد المواشي، والألبان ومشتقاتها، والتعدين واستغلال المحاجر، وتجارة الجملة، والمرافق الرياضية، والطاقة المتجدّدة، والصناعات المعدنية، والصناعات الكيماوية) أو من تلك التي تَقَرَّر تخارج الدولة الجزئي منها (ومن ضمنها أنشطة الاستزراع السمكي، والزراعة، وتجارة التجزئة، ودباغة الجلود، وصناعة الأجهزة الكهربائية والإلكترونيات، والصناعات الغذائية والمشروبات، وإعادة تدوير المخلّفات). وبالفعل، يكفي مجرّد إلقاء نظرة سريعة لملاحظة حجم الاستثمارات الجديدة الكبرى في قطاعات تربية المواشي، وتحويل مخلّفات صناعة الجلود، والزراعة والإنتاج الزراعي، واستيراد الدواجن المجمّدة، وإنتاج الذهب بحلول شهر نيسان/أبريل 2023.

لا تزال المؤسسة العسكرية متمسّكة بنشاطها الاقتصادي، على الرغم من الإخفاقات المتكرّرة. فقد عطّل مصنع عسكري ضخم للإسمنت أُنشئ في العام 2018 بتكلفة 1.2 مليار دولار – وهو المصنع الثاني في قطاع مُتخَم أساسًا – الأسواق المدنية منذ بدء تشغيله، علمًا أنه يعمل بأقل بكثير من طاقته الإنتاجية الكاملة. ومن الأمثلة الأخرى مجمّعات تربية الماشية التي تم افتتاحها في العام 2019 بتكلفة بلغت 20 مليار جنيه (حوالى 1.25 مليار دولار)، والتي إما أُغلقت لاحقًا أو لا تزال تعمل لكن بطاقة إنتاجية أقل بكثير، مُتكبّدةً خسائر فادحة. كذلك، استثمرت المؤسسة العسكرية في مشروع طموح للأحياء المائية، سعت في إطاره إلى إنشاء مزارع سمكية بتكلفة أقل من تكلفة السوق ثم بيعها مقابل ربح؛ لكن، بدلًا من ذلك، تجاوزت تكاليف هذا المشروع التكاليف المقرّرة، ويُعزى ذلك جزئيًا على الأقل إلى الفساد المستشري داخل الدهاليز المغلقة للتعاملات التجارية والإدارة المالية العسكرية، ما أسفر عن خسائر تحمّلت أعباءها في نهاية المطاف الخزينة العامة للدولة. قد تستمر المؤسسة العسكرية في مقاومة المقتضيات المالية والإدارية التي تنصّ عليها مذكرة السياسات الاقتصادية والمالية، وذلك لحجب مثل هذه المشاكل والإخفاقات.

لم يردع هذا القصور الشركات والهيئات العسكرية عن إطلاق مشروعات جديدة منذ إصدار المسودّة الأولى من وثيقة سياسة ملكية الدولة. وقد أُعلن عن بعضٍ منها قبل العام 2022، وشملت إنشاء مصانع وخطوط إنتاج لصناعة الأسمدة العضوية، ودباغة الجلود والمواد الكيماوية المستخدمة في الصباغة، والمواد الغذائية، والجيلاتين الصناعي؛ وتركيب أبراج الإرسال والاتصالات؛ وافتتاح مجمّع ضخم لإنتاج الأسمدة الفوسفاتية والأزوتية. لكن المشروعات الأحدث عهدًا شملت إنشاء مصانع وخطوط إنتاج لتصنيع الضمادات الطبية، واللقاحات والأدوية البيطرية، وإطارات المركبات، والأجهزة الكهربائية والإلكترونية، وأنظمة إضاءة بتكنولوجيا الصمام الثنائي الباعث للضوء (LED)، وألواح الطاقة الشمسية، والصوب الزراعية، والألمنيوم، وعبوات المنتجات الغذائية، وبوادئ الاشتعال في محطات توليد الطاقة الكهربائية، واستخراج المعادن الثقيلة من الرمال السوداء. كذلك، أطلقت الهيئات العسكرية خدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، وأنشأت ما يُعدّ أكبر مجمّع صناعي لإنتاج البوليإيثيلين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

مؤسسة عسكرية محصّنة؟

لو تم فعلاً، سيؤثّر التطبيق الكامل لالتزامات الحكومة الواردة في وثيقة سياسة ملكية الدولة تأثيرًا كبيرًا على الشركات العسكرية والهيئات العسكرية الناشطة اقتصاديًا في القطاعات كافة. ومن شأن العمل على تسوية الملعب الاقتصادي في الأسواق المدنية بين القطاعَين الخاص والعام، بما في ذلك المؤسسة العسكرية، أن يؤدي دورًا مهمًا وأن يسهم إلى حدٍّ بعيد في تحقيق أحد أهداف صندوق النقد الدولي الأساسية. تصف اقتراحات متداولة في المجال العام كيف يمكن للسلطات المصرية العمل مع المؤسسة العسكرية، على إعادة هيكلة أو تجريد شركاتها في المجال المدني وأنشطتها في مجال الإدارة والمشتريات العامة، وكيف يمكن لصندوق النقد الدولي المساعدة في هذه العملية.

ولكن لا توجد أدلة على أن المؤسسة العسكرية تعتزم إبطاء وتيرة مسارها التوسّعي، ناهيك عن الرجوع عنه. ولا سبب يدعو للاعتقاد أن الرئيس أو الحكومة سيُخضعان المؤسسة العسكرية للمساءلة استنادًا إلى الأحكام المنصوص عليها في سياسة ملكية الدولة أو مذكرة السياسات الاقتصادية والمالية، إلا حيثما تصبّ هذه الأحكام في مصلحة المؤسسة العسكرية. أما المؤسسة العسكرية، فقد تحتجّ من جهتها بأن أنشطتها الاقتصادية والتجارية المتواصلة تتوافق مع المبادئ التوجيهية بشأن حوكمة الشركات المملوكة للدولة، وهي نقاط مرجعية أصدرتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وتسترشد بها سياسة ملكية الدولة كما ورد في وثيقتها. ولكن هذه الحجّة ستسقط إذا تم تجاهل جميع النقاط المرجعية الأخرى التي وضعتها المنظمة. وهكذا، تبدو الالتزامات الحكومية حول مستقبل الشركات العسكرية مجرّد شكليات.

بغضّ النظر عن كيفية تفسير وثيقة سياسة ملكية الدولة ومذكرة السياسات الاقتصادية والمالية، قد تؤدّي الأزمة المالية والاقتصادية في مصر فعليًا إلى تسريع المسار الاقتصادي التوسّعي للمؤسسة العسكرية، من خلال تعزيز الحجج الداعمة لتدخّل الدولة، من جملة أمور أخرى. والحال أن الأزمة، من خلال مفاقمتها مأزق الشركات في القطاعَين العام والخاص على السواء، قد تعزّز موقع المؤسسة العسكرية نسبيًا، فيما تواجه البلاد نقصًا حادًّا في العملات الصعبة والمدّخرات. ولكن إذا فسّرت الحكومة المصرية سياسة ملكية الدولة بأنها تُعفي المؤسسة العسكرية من التخارج من القطاعات الاقتصادية التي تُعتبَر مُتخَمة، فسوف يحول ذلك دون توظيف استثمارات خاصة في هذه القطاعات. والأسوأ أن ذلك سيؤدّي إلى استمرار التفكّك المسبِّب للخلل، ويُبقي على الدينامية المنخفضة، ليس فقط في الاقتصاد ككل، إنما أيضًا داخل هذه القطاعات، مثلما حدث فعليًا في قطاعَي الإسمنت والصلب في مصر.

في الحدّ الأدنى، من شأن اعتماد مذكرة السياسات الاقتصادية والمالية إطارًا أساسيًا للسياسات أن يخفّض عدد العقود التي تُمنَح للمؤسسة العسكرية لتزويد السلع والخدمات من دون تنظيم عطاءات تنافسية عامة. وسوف يؤدّي أيضًا إلى الحدّ من قدرة المؤسسة العسكرية على منح العقود بالأسلوب نفسه، أي على أساس غير تنافسي. وفقًا لمصادر مطّلعة، تستغل المؤسسة العسكرية هذه الورقة في يدها لتحقيق هوامش أرباح تتراوح من 5 إلى 30 في المئة من موازنات المشروعات المموّلة من الحكومة. وكذلك، سيؤول إقرار قانون موحّد للمشتريات العامة، فضلًا عن اعتماد الشفافية المالية، إلى تقليص قدرة المؤسسة العسكرية على اقتناص العقود الحكومية التي يُفترَض أن تكون من نصيب جهات منافسة مدنية في القطاع العام أو الخاص.

أخيرًا وليس آخرًا، لن يؤدّي الإفصاح المالي إلى وضع حدٍّ لنقل أصول الدولة إلى المؤسسة العسكرية فحسب، بل أيضًا إلى زيادة إيرادات الدولة، وسيتيح تحليل التكلفة والعائد الاقتصادي (ما يسمح بوضع دراسات الجدوى واستراتيجيات الاستثمار المعقولة)، ويحدّ من الممارسات التعسفية والافتراسية (بما في ذلك إخفاء المتأخرات أو فرض رسوم غير معقولة مقابل ترخيص الاستخدام المدني لأراضي الدولة). علاوةً على ذلك، من شأن إلغاء إعفاءات المؤسسة العسكرية من الضرائب والرسوم الجمركية، ووضع حدٍّ لتشغيل المجنّدين إلزاميًا، أن يساعدا على تسوية الملعبالاقتصادي مع القطاع الخاص، والأهم من ذلك، أن يخضعا المؤسسة العسكرية على نحوٍ لا لبس فيه للقوانين والمحاكم الناظمة للأعمال المدنية في ما يتعلق بجميع أنشطتها في المجال المدني.

https://linksshortcut.com/VHauk

 خلاصة

يتضح أن استقالة أيمن سليمان من رئاسة صندوق مصر السيادي لم تكن فقط نتيجة لرغبة الحكومة في تغيير القيادات، بل كانت نتيجة لضغوط متعددة تتعلق بفشل الصندوق في تنفيذ برنامج الخصخصة والحد من سيطرة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد، وهو ما كان مطلبًا أساسيًا من قِبل صندوق النقد الدولي والداعمين الخليجيين.